عندما يغوض المفكر الفرنسي ألكسندر مواتي في جذور نظريات لل «آلترساينس»، فإنّه يذكّر بمواقف مفكرّين كجان بول مارا (1743- 1793)، الذي أدّى دوراً مشهوراً في الثورة الفرنسية. وحينها، كان ماراً طبيباً مشهوراً، يتملّكه حب «علم البصريات». وهاجم نظرية العالِم الإنكليزي إسحاق نيوتن عن انكسار الضوء، وكتب ضد «أكاديمية العلوم الفرنسيّة» ورئيسها العالِم أنطوان لافوازييه، بل وصفهم ب»الدجالين الحديثين». ويُذكّر مواتي بأن تلك الانتقادات استُعيدت من طرف شارل فورييه (1772- 1837) وأوغست كونت. ويضرب مواتي أمثلة عن تأثير هذه الأفكار. فمثلاً مال أحد الأخوة لوميير، مبتكري الكاميرا والسينما، إلى ال «آلترساينس»، فندّد بمن يقول بالطابع المُعدي لداء السلّ! وفي سياق مُشابِه، ندّد المُفكّر موريس آلاّ بهيمنة مؤسسات الصفوة على العلوم وعلمائها. وكذلك اعترض الألماني هانس هوربيغر (1860- 1931) على نظرية الجاذبية التي صاغها نيوتن، وتخيّل كوناً مُشكلاً من كواكب جليدية. وتعرض الروسي تروفيم ليسينكو (1898- 1976)، وهو من الأمثلة الأشد سؤاً على ال «آلترساينس»، لعلم الوراثة التقليدي، تلبيّة لدواعي إيديولوجيّة سادت أيام حكم جوزيف ستالين. وربما ينطبق وصف مماثل على الأميركي المعاصر ليندون لاروش الذي يوصف بأنه «الفاشي التقني» لأنه أراد أن يُراجع تاريخ الرياضيات بنفس الحجّج التي استخدمها علماء... النازية. يلاحظ مواتي أن التفاخر القومي بين الحربين الكونيتين، دفع بعض العلماء الأوروبيين إلى إعادة كتابة تاريخ العلوم عبر انحيازات قومويّة. ومثلاً، نفى عالم الرياضيات الفرنسي إميل بيكار (1856- 1941) عن ألمانيا أي ريادة في تقدم العلوم. ووضع حائزان ل «نوبل» في الفيزياء، وهما فيليب لونارد وجوهان ستارك، أنفسهما في خدمة النظام الهتلري، بل سعيا للتنظير ل «فيزياء آريّة» بالتوافق مع قول النازية بتفوّق العرق الآري. ووضعت هذه الوجوه نفسها على هامش العلم، محاولة تقديم تصوراتها على أنها نتيجة عمل بحثي من جانبها، تدعمه مقولات معيّنة. وسبق لمواتي في عمله «إينشتاين: قرن ضده» (باريس، منشورات أوديل جاكوب، 2007)، أن أوضح وقوف علماء نازيون وراء الهجوم على إينشتاين ونظرياته. وفي تقويم حركة ال «آلترساينس» وأعمالها وفكرتها العامة عن العلم، يرى مواتي أن رفضها النقاش العلمي، وتطرّفها المتعنّت في التمسك بصوابيّة رؤيتها، يمكن أن يدفعها إلى تصرفات تسلّطية. ويخلص إلى التشديد على القول بأن احتجاج ال «آلترساينس» لا ينحصر في نتائج العلوم، بل يطاول المسار العلمي نفسه، وهو أمر يراه مدعاة لأشد القلق.