منذ فترة طويلة، يدور صراع شرس على الألياف الضوئية للإنترنت، حول الموسيقى الرقمية وتحميلها من «الويب». وفي سياق هذا الصراع، تتمترس الشركات الكبرى للموسيقى ومواد الترفيه المختلفة في خندق ترفع فيه سلاح حقوق الملكية الفكرية، وتواجه جمهوراً واسعاً يسعى للحصول على ما يرغب به من تلك المواد. وفي شكل دائم، تدعم «منظمة التجارة العالمية» الشركات العملاقة، بدعوى حماية سوق الترفيه والحفاظ على أرباح المنتجين والمبدعين، الذين توظّفهم الشركات وتُمسك بما يبدعونه بيد قاسية. وفي السنة الفائتة، تنبّه كُتّاب السيناريو في هوليوود، الى أنهم يشكلون العصب الأساس لصناعة الأفلام السينمائية، التي تقدر سوقها ببلايين الدولارات سنوياً. ودخلوا في إضراب مديد. واستطاعوا تعديل حصّتهم من تلك الكعكة الذهب. ويصلح ذلك نموذجاً للصراعات في مجال الترفيه، كما يشير الى أن المبدعين والمبتكرين وأصحاب المواهب لا ينالون سوى شطر صغير من الأرباح الخيالية لتلك السوق، على رغم تذرع الشركات (ومعها منظمة التجارة العالمية) بهؤلاء الموهوبين كسبب للتشدّد في تطبيق الملكية الفكرية، وتالياً، استخدامهم مبرراً زائفاً لحماية الأرباح الضخمة، ولضرب حق الجمهور في الحصول على مواد ترفيهية مناسبة من الشبكة الدولية للكومبيوتر. التجربة الهولندية وازدياد الضغط القانوني من جانب شركات الموسيقى وأستديوهات الافلام الكبيرة على مواقع التبادل غير الشرعي للموسيقى والافلام، بدا واضحاً في القرار الذي اصدره القضاء الهولندي أخيراً بحجب موقع «القرصان» السويدي للتحميل غير الشرعي لمواد الترفيه. ومن اللافت أنه جاء بعد قرار المحكمة السويدية بحبس المجموعة التي تقف وراء الموقع، مع العلم أنها ستواجه قريباً قضية جديدة جاءت من اعلان سبعة من الاستديوهات الهوليوودية الكبيرة تحالفها في رفع دعوى قضائية موحّدة ضد الموقع نفسه. وفيما تستعد شركات الموسيقى الكبرى لتصفية حساباتها مع الموقع، تضع نصب أعينها أيضاً أن معركتها مع التبادل غير القانوني للموسيقى والافلام على شبكة الانترنت، تُمثّل صراعاً طويل الأمد. وفي المقابل، لا يبدو أن هذا الصراع مفتوح على انتصارات حاسمة، بسبب ارتباط الانترنت منذ نشأته بهذا النوع من الصراعات. ولحد الآن، أثبتت التجربة استحالة منع التحميل غير القانوني لمواد الترفيه الرقمي. ويدفع هذا الأمر الشركات الى اتباع سياسات متنوّعة، لايجاد حل وسط بين التحميل غير القانوني من جهة، والحصول على ارباح من الانترنت من الجهة الأخرى. فبعد تزايد خدمة بيع الموسيقى على الانترنت، التي يرتبط بعضها مباشرة بشركات انتاج الاسطوانات، تسعى هذه الشركات للإشتراك بمواقع موسيقى مستقلة، مثل موقع «سبوتيفاي. كوم» spotify.com، الذي انطلق أخيراً، ولا يتردّد بعض الخبراء في توقع أن ينال شهرة لا تقل عما حققه موقع «يوتوب» Youtube الشهير المتخصّص بتبادل الأشرطة المرئية- المسموعة بين الجمهور. وعلى رغم قصر عمر الموقع نسبياً، نجح في تجميع حوالي 30 مليون اغنية، من فترات تاريخية مختلفة، ولأسماء معروفة في عالم الغناء. وكذلك يُظهر الموقع إهتماماً بالأنواع الجديدة من الموسيقى، خصوصاً تلك التي تلقى رواجاً في أوساط الشباب. ويتطلب الاشتراك في الموقع تحميل برنامج خاص به، للتمكن من الاستماع الى الاغاني المجانية المتوافرة عليه. وراهناً، يصل معدل ادخال المواد الجديدة إلى «سبوتيفاي» قرابة 10 آلاف أغنية يومياً. ويحصر الموقع إمكان الاستماع بصورة مجانية الى الموسيقى الموجوده فيه، على برنامج خاص من صنع الموقع. فليس من المستطاع راهناً تحميل الاغاني من «سبوتيفاي». وبذا، تقتصر تجربة الجمهور على الإستماع الى الموسيقى من الموقع مباشرة. كذلك يبث الموقع مجموعة من الاعلانات خلال إذاعة أغانيه. ومن المستطاع تجنّب هذه الاعلانات من طريق دفع مبلغ شهري للاشتراك في الموقع. وفي السياق عينه، يذكر أن خدمة الموقع السويدي ما زالت مقتصرة على دول قليلة هي: بريطانيا، السويد، فنلندا، النرويج، فرنسا واسبانيا. وتعِدُ إدارة الموقع بتوسيع الخدمة لتشمل دولاً اوروبية اخرى، والولايات المتحدة الأميركية التي يتطلب العمل فيها الخضوع لقوانين مختلفة قليلاً عن تلك المطبقة في أوروبا. منافسة الهواتف الخليوية إذا صدقت وعود الموقع عن تطوير برنامج خاص لاستعمال الموقع داخل الهواتف المحمولة، فهذا من شأنه أن يغير المنافسة الحالية بين الشركات المصنعة للهواتف المحمولة المتعددة الاستعمالات، التي تتنافس على توفير مساحة كافية لخزن الموسيقى داخل اجهزتها. إذ يسعى موقع «سبوتيفاي» لتقديم خدمة تسمح بالدخول الى المكتبة الصوتية الهائلة للموقع على الانترنت عبر الخليوي، ما يخفّف الضغط على المساحة المخصصة لحفظ الموسيقى في أجهزة الهواتف المحمولة. ويثير هذا الموقع الموسيقي اهتمام الكثيرين من الموسيقين الجدد الذين يمكن ان يشاركوا بموسيقاهم بصورة فردية، أو من طريق تأسيس شركات صغيرة تعلن عن نفسها من خلال الموقع. ويتوقع أن يساهم هذا الامر في انتشار الموسيقى الرقمية، خصوصاً مع هبوط معدلات بيع الاسطوانات الموسيقية في العالم في الاربع سنوات الأخيرة. وكذلك ساهمت شعبية الانترنت وشيوع التحميل غير القانوني للموسيقى عن طريقه، في دفع الكثير من الفنانين الى التوقف عن إصدار إلبومات، والاكتفاء ببيع منتجاتهم الجديدة من طريق الانترنت، إضافة الى الاعتماد على أموال الحفلات الموسيقية التي اصبحت مصدراً أساسياً للدخل لكثيرين منهم.