تصاعدت وتيرة الجدل حول المسألة الفقهية «أكثر مدة الحمل» التي تطرقت إليها جلسات المجمع الفقهي أمس وتباينت آراء الفقهاء إزاءها، إذ حددها بعضهم بسنة واحدة، بينما ذهب آخرون إلى أنها قد تصل إلى أكثر من أربعة أعوام، كما عرجوا خلال الجلسة إلى قصة ابن عجلان المذكورة على لسان الإمام مالك والتي قال فيها: «إن زوجة ابن عجلان حملت ابنها لمدة أربعة أعوام». تباين الآراء حيال مسألة «أكثر مدة الحمل» كان بين عدد من الفقهاء والخبراء في العلم الشرعي وعدد من الأطباء المختصين ضمن أعمال الجلسة السابعة من الدورة 11 لمجمع الفقه الإسلامي في مكةالمكرمة أمس. وأكد الباحث الشرعي عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتور إبراهيم البشر أن جل ما اعتدوا عليه في تحديد هذه الأعوام عبارة عن روايات وقصص لنساء حملن أعواماً عدة، وتبين أن ذلك وهم وكذب ومما لا يصح بناء الحكم عليه. موضحاً أن «الأحكام التي ليس فيها نص شرعي يرجع فيها إلى أهل الاختصاص كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (أنتم أعلم بما فيه أمر دنياكم)، وأما قول بعض أهل العلم أن احتمال صحة امتداد الحمل لسنين، فهذا غير صحيح والاحتمال مستحيل طباً وواقعاً». واعتبر عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سعد الخثلان أن «أكثر مدة الحمل» موضوع اختلف فيه الفقهاء، فالإمام مالك روى قصة امرأة ابن عجلان التي حملت ثلاثة بطون في 12 عاماً، كما ثبت عند الشيخ بكر أبو زيد عندما كان قاضياً في المدينةالمنورة حمل دام أربعة أعوام، إضافة إلى أن الشيخ عبدالعزيز بن باز ثبت له حمل دام سبعة أعوام حين كان يشغل منصب القضاء. وقال: «إن سبب مدة طول الحمل هو ما يسمى ب «السبات» إذ يبدأ الحمل، ويتوقف الحمل في مرحلة من المراحل ثم يعود بعدها للنمو، وهذا ما دفع قانون الأحوال الشخصية في الإمارات للاحتياط عند تقدير مدة الحمل». مشدداً على ضرورة عمل المزيد من البحوث الطبية والاستعانة بخبرات مراكز أوروبية، أميركية، كندية، وصينية لتبيين أكثر مدة الحمل ووضع تفسيرات طبية تفصيلية لذلك». وأوضح الفقيه الموريتاني الدكتور محمد المختار ولد امباله أن بعض الفقهاء الموريتانيين قبل أن يتقدم العلم بهم، ممن كانوا يحكمون بالمذهب المالكي ويفتون به، كانوا يطبقون الحكم بالمذهب المالكي على تلك اللواتي عرفن بالعفة والدين بأن أكثر مدة للحمل هي خمس سنوات، فيما لو كانت المرأة من اللواتي لم يعرفن بالعفة فإن مدة الحمل لا يتجاوز أكثر من سنة واحدة. وبدوره، قيد عضو المجمع الفقهي الدكتور يوسف القرضاوي مدة حمل المرأة بتسعة أشهر، وقال: «برغم كبر عدد سكان العالم لم أر حملاً استمر لأكثر من تسعة أشهر، فالآية القرآنية جاء فيها (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) وفي آية أخرى قال تعالى: (وفصاله في عامين)، فإذا كان الحمل والفصال كما نص القرآن 30 شهراً، فكيف يكون الحمل وحده سنتين أو ثلاث وأربع؟»، مؤكداً أن هذا كلام غريب جداً لا يقبله القرآن ولا الواقع، ولذلك فأنا أرى ما رآه الإمام ابن حزم أنه ليس هناك أكثر من تسعة أشهر. من جهته، استغرب أستاذ أمراض النساء والولادة الدكتور عبدالله باسلامة من الدفاع الكبير عن آراء فقهية مبنية على أحاديث «نسوية» واجتهادات ليست من الكتاب ولا من السنة. وقال: «أستغرب من موضوع كهذا قدمنا له أبحاثاً علمية وبنينا عليه دراستنا وقمنا بتدريسه لطلابنا ونحن نثق في طلابنا و أطبائنا، ولا بد من استجار أجنبي ليبين لنا ما هو الصح من عدمه». فيما أكد طبيب النساء والولادة البروفيسور سمير عباس أنه خلال عمله لمدة تتجاوز 40 عاماً في طب النساء والولادة لم يشاهد ما يسمى ب «السبات». مضيفاً : «الغريب في هذا النقاش هو النظر إلى أن نساءنا غير نساء العالم كله، فنساء العالم يحملن لفترة محددة بينما نساؤنا يحملن لفترة أطول، وبرغم أن فترة عملي تجاوزت 40 عاماً، لم أسمع عن «السبات» وهذا الشيء العجيب الموجود عند العرب دون العالم كله، وإن وجد «السبات» فإن الطفل لن ينمو، وبالقول إنه سيمضي أربع أو خمس سنين فهل ستنجب أمه فيلاً كون الفيل يحمل لمدة عام ونصف العام». وأوضح البروفيسور عباس أن موضوع «أكثر مدة الحمل» أجريت عنه دراسة قبل 22 عاماً وتحدثت فيه أمام هذا المجمع، بيد أن الشيخ ابن باز رحمه الله رأى تأجيل الموضوع لكثره تضارب الآراء بين الطب والشرع الذي اعتمد على الأقوال، بعد أن قمنا بدراسات كثيرة حوله والاستفسار من كل العالم. وفي المقابل، تباينت آراء الفقهاء أمس، حول تأجيل مناقشة موضوع «إيقاف العلاج عن المريض الميئوس من حياته» إلى وقت لاحق، إذ أكد عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتور عبدالله بن حمد الغظيمل خلال جلسة أمس، تأجيل مناقشة موضوع «إيقاف العلاج عن المريض الميئوس من حياته» إلى الدورة المقبلة لعدم اكتمال البحوث. من جهته، ناقض الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله التركي قول الغظيمل في حديث إلى «الحياة» بأن مسألة «إيقاف العلاج عن المريض الميئوس من حياته» لم تؤجل، بل ستتم مناقشة القرارات في دورتها الحالية.