يبدو أن مشكلة الإسكان دخلت في «غياهب» البيروقراطية والتأخير، وهو ما يطيل أمد الحل لهذا الموضوع الحيوي الأهم في قائمة مشكلاتنا الاقتصادية، الذي يؤرق همه ما لا يقل عن 60 في المئة من المواطنين. صحيفة «سبق» الإلكترونية، نشرت السبت قبل الماضي تقريراً يتضمن نسبة الإنجاز لمشاريع الإسكان المكونة من 500 ألف وحدة، التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أواخر الربع الأول من العام الماضي 2011. التقرير أوضح أن التنفيذ لم يتجاوز 12 في المئة من مشاريع كان يجب تسلمها هذا العام، وبالتفصيل فقد بلغت نسبة الإنجاز 12.5 في المئة فقط في مشروع ناوان بالمخواة، والنسبة نفسها لمشروع الإسكان في محافظة الخرمة، علماً بأن المشروعين كان يجب تسلم مفاتيحهما جاهزين في شعبان ورمضان الماضيين على التوالي. ولم تتجاوز نسبة التنفيذ في إسكان العلا 19 في المئة على رغم انتهاء المدة المحددة لتنفيذه، وتنتهي مدة تنفيذ مشروع إسكان عرعر نظرياً بعد خمسة أشهر، وما زالت نسبة الإنجاز أقل من 4 في المئة. وليست مشاريع الإسكان في عنيزة والزلفي والشماسية ورفحاء وأبوعريش وغيرها بأحسن حالاً. التقرير أشار أيضاً إلى أن وزارة الإسكان منحت المقاولين مدداً إضافية لتنفيذ المشاريع المذكورة، قبل أن يختم أن ما تم ترسيته حالياً لا تتجاوز 47 مشروعاً سكنياً، وبعدد وحدات لا تتجاوز 14333 وحدة سكنية (17611 وحدة بحسب موقع الوزارة). وزارة الإسكان بدورها لزمت الصمت، ولم تعلق أو ترد على التقرير، وإن كانت سارعت بتدشين موقعها الإلكتروني بعد يومين فقط من إشارة التقرير لغياب موقعها عن الشبكة العنكبوتية منذ إنشاء الوزارة. التقرير يفتح باباً واسعاً من الأسئلة، لعل أبرزها: أولاً: هل لدى وزارة الإسكان قدرة على تنفيذ المشاريع وتمويلها ومراقبتها؟ وهل تملك الفريق المتخصص والقادر على ذلك؟ ثانياً: ما هي معوقات تنفيذ المشاريع التي ذكرها التقرير؟ ولماذا تلتزم الوزارة الصمت على رغم مرور حوالى 15 يوماً من نشر التقرير؟ ثالثاً: لماذا اختارت الوزارة البدء في تنفيذ مشاريع إسكان المناطق الصغيرة، على رغم أنها لا تعاني من أزمة إسكان مثل الرياض، وجدة، والدمام؟ رابعاً: على هذا التعثر والتأخير في تنفيذ 17611 وحدة سكنية، كم تحتاج الوزارة من الوقت والجهد لتنفيذ 500 ألف وحدة سكنية في كل أرجاء البلاد؟ خامساً: إن كانت إجابة الوزارة على (أولاً) هي (لا)، فهل لدى الوزارة خطة بديلة أو خطة «ب» لتنفيذ هذه المشاريع الحيوية الضخمة، كأن تدعم المطورين العقاريين، وتجعلهم يقومون بالمهمة نيابة عن الوزارة؟ سادساً وأخيراً: يشير التقرير إلى تأخير كبير في إطلاق «الاستراتيجية العامة للإسكان في المملكة»، على رغم تعاقد الوزارة مع مكتب استشارات عالمي منذ أكثر من ثلاثة أعوام لتنفيذها والتمديد له 8 أشهر، ويشير التقرير إلى تحفظ وزارة البلديات وردها بأكثر من 300 ملاحظة على «الاستراتيجية»، فما هي أبرز تلك الملاحظات وأسبابها؟ أسئلة كثيرة تتناسل منها أسئلة أكثر، فالإسكان ليس هم الوزير والوزارة فقط، بل هو هم كل مواطن سعودي كبيراً كان أم صغيراً، كما أن تنفيذ مشاريع الإسكان لا يقتصر على بنائها فقط، بل يتعداه إلى تحديد - أو بالأصح - خفض أسعار الأراضي والشقق والفلل «المستعرة» حالياً، وتقليل نسبة التضخم في الاقتصاد. المطلوب حالياً من الوزير شويش الضويحي الخروج وتوضيح الصورة، وطمأنة الناس، وشرح أسباب التأخير بكل شفافية وصراحة، واعتماد جدول بديل للتنفيذ والتسليم، يلزم به كل المقاولين بلا تأخر ولا تعثر. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية ibnrubbiandr@