بدا أمس أن الرئاسة المصرية تسير في مسارين في محاولة لحلحلة الأزمة التي فجرها استصدار الإعلان الدستوري، فمن جهة أبدت مرونة تجاه إجراء تعديلات «شكلية» على مواد شائكة، لكن من دون الاقتراب من قرارات تحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى ضد التقاضي وإطاحة النائب العام، بالتوازي مع إسراع الجمعية التأسيسية في إنجاز مواد الدستور لشغل الرأي العام بما سيخرج عن الجمعية من مواد وطرح مسودة الدستور للاستفتاء. وفي حين يراهن الرئيس محمد مرسي على شق صف القضاة بين مجلس القضاء الأعلى القريب منه ونادي القضاة المعارض لقراراته، قوّض أمس تصاعد المشاركة في الإضراب الذي دعا إليه النادي مسعى الرئيس. واستبقت دوائر قضائية بإعلان الإضراب العام اجتماع مرسي مساء أمس مع أعضاء مجلس القضاء الأعلى. وقال وزير العدل أحمد مكي إن الأزمة «شارفت على الحل»، مشدداً على أن «الرئيس حريص على إرساء دولة القانون. وما حدث سوء تفاهم نتيجة لعدم وضوح القصد وجو الفتن». وكان المجلس أبدى انفتاحاً على تعديل الإعلان الدستوري ليقتصر تحصين قرارات الرئيس على «القوانين والقرارات التي تخص الأعمال السيادية»، ما رفضه نادي قضاة مصر. وفي حين لم تلقَ دعوة الرئاسة إلى حوار، صدى لدى قوى المعارضة الرئيسة المنضوية في «جبهة الإنقاذ الوطني» والتي رهنت الحوار بإسقاط إعلان مرسي، أبدى مؤسس «حزب غد الثورة» أيمن نور مرونة تجاه الحوار. وقال إن «الإعلان الدستوري به بعض المواد المقبولة لدى قطاعات واسعة»، في إشارة إلى إطاحة النائب العام وإعادة محاكمة رجال النظام السابق. لكنه أردف أن «هناك نحو ثلاث مواد يجب إلغاؤها»، في إشارة إلى إلغاء رقابة القضاء على قرارات مرسي وعلى التأسيسية وعلى مجلس الشورى اللذين يهيمن عليهما الإسلاميون. وأشار إلى ضرورة «الحوار مع الرئاسة من دون فرض شروط مسبقة». واعتبر أن «الأزمة ناتجة عن الإعلان الدستوري، والحوار يكون على قاعدة تعديل الإعلان الدستوري، أما إذا جاء الحوار بعد إلغاء الإعلان الدستوري فما مضمونه؟». وكشف رئيس حزب «الوسط» الإسلامي وكيل الجمعية التأسيسية أبو العلا ماضي عن «اتصالات مع قوى سياسية عدة لمحاولة التوصل إلى مقاربات تنهي الأزمة مع الرئاسة». وأعلن اتصالات بين الجمعية التأسيسية التي باتت في حوزة الإسلاميين وحدهم والقوى السياسية «للتوافق على مواد الدستور». ودعم فكرة إجراء تعديلات على الإعلان الدستوري، حزب «مصر القوية» بقيادة الإسلامي المعتدل عبدالمنعم أبو الفتوح الذي أعلن أمس مبادرة للخروج من الأزمة تتضمن إلغاء غالبية مواد الإعلان الدستوري، والإبقاء على مادتي إعادة المحاكمات وإبعاد النائب العام مع تعديل الأخيرة بحيث توضع معايير محددة لتولي منصب النائب العام وأن يرشحه مجلس القضاء الأعلى ويصدق عليه الرئيس. وتضمنت المبادرة «الوقف الفوري من وزارة الداخلية لممارسات قمع المتظاهرين أو الاعتداء عليهم أو القبض عليهم بغير وجه حق بما ينافي القانون وقواعد حقوق الإنسان، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية، واستبعاد كل الضباط المتورطين في انتهاك حقوق الإنسان، والدعوة إلى حوار وطني جاد للتوافق حول الجمعية التأسيسية والدستور». وشدد على «ضرورة وقف كل مظاهر التصعيد والحشد على الأرض سواء لرفض الإعلان أو تأييده، وكذلك الرفض الصريح لتدخل القوات المسلحة في الشأن السياسي». في المقابل، شدد رئيس «حزب المؤتمر» عمرو موسى على «ضرورة إلغاء الإعلان الدستوري الذي يعصف بالحريات وحل الجمعية التأسيسية»، داعياً إلى النزول اليوم في تظاهرات. وعلى النهج نفسه سار مؤسس «حزب الدستور» محمد البرادعي الذي أصر على «سحب الإعلان الدستوري»، محذراً من «ترسيخ الاستقطاب والانقسام». وعقد عدد من الأحزاب السياسية في مقدمها «الدستور» و «المصري الديموقراطي الاجتماعي» و «الكرامة» و «التيار الشعبي» مؤتمراً صحافياً أمس أصرّ فيه على «السحب الفوري للإعلان الدستوري والقصاص العادل لمن تسبب بسقوط الشهداء في الثورة والبدء فوراً في خطة واضحة لتطهير الداخلية وإعادة هيكلتها وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية». وحمّل الرئيس والحكومة ووزارة الداخلية مسؤولية «حالات الانفلات والعنف والاشتباكات المتصاعدة». وحذر من أن ما يحدث «سيدفع البلاد إلى حافة الخطر في شكل متعمد». وتمدد أمس إضراب القضاة، فأعلن عدد من النيابات في القاهرة بينها نيابة الأموال العامة ونيابة أمن الدولة الإضراب، كما علق مزيد من المحاكم عمله، وتقدم عدد من المحامين العموميين التابعين للمكتب الفني للنائب العام بطلبات رسمية لمجلس القضاء الأعلى لإنهاء ندبه من النيابة وعودته للعمل بالاستشارة القضائية. وأعرب نادي القضاة عن «تقديره لالتزام الغالبية العظمى من المحاكم والنيابات على مستوى الجمهورية بقرارات الجمعية العمومية»، داعياً المحاكم التي لم تقم بعد بتعليق العمل إلى «أن تضع توصيات جمعيتها العمومية موضع التنفيذ دفاعاً عن استقلال القضاء وحماية لمقدسات الشعب المصري العظيم». وأصر النادي في بيان أمس على توصياته التي أصدرها السبت الماضي ب «إلغاء الإعلان الدستوري وعودة النائب العام المقال عبدالمجيد محمود وحل الجمعية التأسيسية للدستور». ودعا نادي مستشاري هيئة قضايا الدولة برئاسة القاضي محمد محمود طه إلى «عدم التدخل في شؤون القضاء والقضاة، واحترام مبدأ توزيع السلطات واحترام مبدأ الفصل بينها والثقة في القضاة»، محذراً من أن الانقسام الذي أحدثه الإعلان الدستوري «قد يؤدي بالبلاد إلى الدمار ويحطم مسيرة بناء مصر الجديدة بعد الثورة». ودانت «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» ما يشهده المجتمع حالياً من «صدامات دامية وعدم قبول آراء الآخرين ودعوات الكراهية بين فصيل وآخر في تطور خطير في مصر بعد الثورة». ودعت مرسي إلى «أن يتحمل مسؤوليته تجاه الوطن حقناً لدماء شبابه والعمل على سحب الإعلان الدستوري الجديد وتحمل تبعاته، خصوصاً أن مصر مقبلة على دعوات احتشاد ضخمة مؤيدة ومعارضة لهذا الإعلان». وحذرت من أن نزول ملايين إلى الشوارع «قد يسفر عن كارثة لا يمكن أن يتحملها أحد، كما نذكر بأن دماء مواطن أهم وأعز من أي مناصب». ودعت القوى المختلفة إلى «العمل على خفض حدة التوتر والتحفز ودعوة المواطنين إلى احترام حقوق الآخرين والتحلي بالهدوء المناسب أثناء مطالبتهم بحقوقهم المشروعة وعدم الانسياق إلى العنف وعدم المشاركة في إراقة مزيد من الدماء البريئة». والتقى الرئيس أمس رئيس وزرائه هشام قنديل في حضور وزيري الداخلية أحمد جمال الدين والدفاع عبدالفتاح السيسي «للبحث في الموقف الأمني» قبل التظاهرات.