فاجأ رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قبل وخلال زيارته الأخيرة لألمانيا أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وعقده للمرة الأولى محادثات لمدة ساعة على انفراد مع المستشارة أنغيلا مركل، العديد من المراقبين في الداخل والخارج، خصوصاً بعد الإشارات الجديدة التي أرسلها وفسرها بعضهم بأنها صادقة وإيجابية، وآخرون بأنها مغلّفة بالرياء والوصولية. وأطلق أردوغان رسالته الأولى قبل وصوله إلى ألمانيا لافتتاح أكبر سفارة لبلاده في العالم على شكل نداء مبطن بتحذير جدّد فيه الدعوة لقبول بلده عضواً في الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن. ثم أعرب بعد افتتاحه مع وزير الخارجية الألمانية غيدو فيسترفيلله مبنى السفارة التركية الجديدة في وسط برلين عن أمل حكومته في أن تصبح تركيا عضواً كاملاً في تاريخ أقصاه عام 2023 الذي سيصادف الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية كما قال. وبعد أن استدرك قائلاً إنه يأمل شخصياً بأن لا يضطر بلده إلى انتظار العام المذكور أضاف بلهجة الواثق من نفسه: «إذا جرت عرقلة الانضمام حتى التاريخ المذكور فسيخسر الاتحاد الأوروبي تركيا» في إشارة منه إلى الوزن الذي أصبح بلده يشكله اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. وأردف أن حكومته ستعمل حتى الذكرى المئوية «على تحديث قطاعات محورية عدة في البلاد»، لافتاً أيضاً إلى أنها «تحضر للأجيال الجديدة دولة تركية مختلفة تماماً». ورأى مراقبون أن عودة أردوغان إلى طرح فكرة الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي بعد فترة جمود دامت عامين تقريباً، ردّ واضح على كلام معلقين كثر بأنه طوى هذه الصفحة نهائياً، وقرر إدارة ظهره لأوروبا المختلفة حول انضمام بلده إليها، وحسم اتجاهه نحو الدول الإسلامية بدرجة أولى. وأضاف هؤلاء أن أردوغان يعلم جيداً أنه بكلامه هذا يحشر المستشارة المسيحية مركل التي أعلنت مراراً، مثلها مثل الأحزاب المسيحية والمحافظة الأوروبية الأخرى، أنها ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد وطرحا بدلاً من ذلك إقامة علاقات تفضيلية ممتازة بين البلدين. وأضافوا أن رئيس الحكومة التركية يعرف أيضاً أن مركل ومن معها يشعرون أكثر فأكثر بوجود حاجة ماسة إلى الدور الذي يلعبه بلده حالياً، إن مع الدول والأحزاب الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط على الأقل، خصوصاً في الأزمة السورية المستمرة، أو للوقوف في وجه المدّ الإيراني. وهذا الدور بالذات الذي جرى تصوره على خلفية نجاح التجربة الديموقراطية للحكم الإسلامي التركي هو الذي شجع الاتحاد الأوروبي في مرحلة هيمنة الحكومات الاشتراكية عليه قبل سنوات على فتح الباب أمام تركيا للانضمام إليه. وكانت حكومة المستشار الاشتراكي السابق غيرهارد شرودر وحليفه الصغير فيها حزب الخضر في طليعة الأحزاب الأوروبية التي أيدت ضم تركيا إلى الاتحاد. ومضت حتى الآن نحو سبع سنوات على بدء المفاوضات بين المفوضية الأوروبية وأنقرة حول 35 ملفاً لتأهيل البلد اقتصادياً وسياسياً وحقوقياً واجتماعياً، ورفعه إلى المستوى الأوروبي المقبول. وفي حين كان أردوغان وحزبه يعتبران فترة ال10 إلى 15 سنة التي وضعها الاتحاد كمقياس زمني للتأهيل طويلة جداً و «مجحفة» فان تحديده شخصياً لعام 2023 الذي يزيد عن تصور المفوضية يشير إلى اقتناعه بحجم ما هو مطلوب من تركيا لكي تصبح مرشحة لدخول النادي الأوروبي. ويعيش في ألمانيا حالياً نحو ثلاثة ملايين تركي، وفي حين طالبهم أردوغان في زيارة قام بها قبل أربع سنوات بالحفاظ على قوميتهم ولغتهم وعدم الانصهار في المجتمع الألماني، ما جلب له انتقادات حادة، جاء خطابه إليهم هذه المرة مختلفاً تماماً. فقد حضهم ليس فقط على تعلم الألمانية للتحدث فيها، بل ودعاهم إلى الاطلاع بعمق على أفكار فلاسفة ألمانيا وأدبائها إلى جانب الثقافة التركية، الأمر الذي ترك ارتياحاً عاماً على رغم تشكيك البعض في صدقية كلامه. لم يُخف رئيس الحكومة التركية المصاعب التي تعترض عملية حلّ الأزمة القبرصية فاتهم الاتحاد الأوروبي بقبول عضوية قبرص فيه عام 2004 على رغم أن الجزيرة قُسمت إلى شطرين. ونقل عن المستشارة مركل قولها له إنها تعتبر ضمّ قبرص «خطأ» ارتكبه الاتحاد من دون أن يصدر نفي عن المستشارية الألمانية في هذا الصدد. ولأن أنقرة لا تعترف بنيقوسيا ديبلوماسياً لم تتوان تركيا عن تجميد علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من هذه السنة بسبب ترؤس قبرص الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك وقف مفاوضات الانضمام. وما شجع أردوغان على إعادة طرح مسألة العضوية في هذا الوقت معرفته بأن الحليف الصغير لحزب مركل، الحزب الليبرالي، كان ولا يزال من مؤيدي انتساب تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقد دعم وزير الخارجية الليبرالي الألماني فيسترفيلله في الاجتماع الذي عقده مع ضيفه الكبير المسعى التركي صراحة معلناً «أن جمود مفاوضات الانتساب إلى الاتحاد على مدى عامين غير مفيد للطرفين»، ومشدداً على «ضرورة البدء بداية جديدة العام المقبل». وإذ أقر فيسترفيلله بأن تركيا نفذت الكثير من الإصلاحات المطلوبة منها لفت في الوقت ذاته «إلى أن عملاً كثيراً لا يزال ينتظرها». وتؤكد مصادر وزارة الخارجية أن العام المقبل سيشهد بالفعل إحياء قوياً لعدد من ملفات التأهيل. إلى ذلك كشفت مصادر ديبلوماسية مطلعة أن أردوغان تلقى من مركل في الاجتماع الهام الذي عقداه على انفراد موافقة الحكومة الألمانية النهائية على تزويده ببطاريات صواريخ «باتريوت» المضادة للطائرات مع أطقمها الفنية التي تضم نحو 170 جندياً متخصصاً. وتملك ثلاث دول فقط في الحلف الأطلسي أحدث بطاريات هذا السلاح هي الولاياتالمتحدةوألمانيا وهولندا. وجرى تبرير مثل هذه الخطوة من جانب الحكومة الألمانية بأنها للدفاع عن تركيا الشريكة في الحلف الأطلسي من الغارات التي يمكن أن تشنها الطائرات والصواريخ السورية على الثوار على طول الحدود مع تركيا، علماً أن البعض هنا لفت إلى أن التبرير يقف على رجل واحدة وغير مقنع على اعتبار أن سورية لا تهدد عملياً أمن تركيا. لكن محللين مطلعين ذكروا أن الرسالة قد تكون موجهة إلى إيران أيضاً التي حذرت وهددت أكثر من مرة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تدخّل أنقرة في النزاع السوري الداخلي ورفعها وتيرة المساعدات إلى المعارضة السورية. وثمة تخوف جدي على ما يبدو من أن تقدم إيران على إرسال طائرات حربية إلى سورية من فوق العراق للدفاع عن الجيش السوري أو لقصف مواقع المعارضة.