جريدتي الأميركية المفضلة هي «نيويورك تايمز»، وبعدها «واشنطن بوست»، وأنا أقرأ الأخبار في هذه أو تلك وأعرف أنها صحيحة. طبعاً «الحلو ما يكملش»، وهناك فصل مهني بين قسمي الأخبار والأفكار، أو الأنباء والآراء، وقد وجدت دائماً بين كتّاب الرأي بعض أفضل الصحافيين المهنيين والمفكرين، ولكن مع غالبية من المحافظين الجدد أو الليكوديين. لا أحد منا ينسى دور صفحات الرأي في الصحيفتين ومعهما «وول ستريت جورنال» وغيرها في الترويج لكذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق والعلاقة مع القاعدة، فكان الغزو سنة 2003 الذي أسفر عن قتل مليون عراقي ومعهم خمسة آلاف أميركي، كلهم راحوا ضحايا اللوبي وليكود أميركا أصحاب الولاء الواحد لإسرائيل. أنسى أحياناً ليكودية الرأي في جريدة مثل «نيويورك تايمز» وأنا أقرأ مقالات مورين داود وغيل كولنز وبول كروغمان وتوماس فريدمان وآخرين، ثم يأتي مَنْ أو ما يذكرني بها، كما حدث هذا الأسبوع وأنا أقرأ افتتاحية باسم «نيويورك تايمز» عنوانها «لاشرعية حماس». لو كتبت أنا افتتاحية الجريدة لكان عنوانها «لاشرعية إسرائيل»، فهي تقوم كلها في أراضي الفلسطينيين وهم وحدهم يستطيعون أن يسبغوا عليها شرعية الاعتراف عندما يتوصل الجانبان إلى حل سلمي. والجريدة نشرت أمس افتتاحية عن وقف إطلاق النار لم تخل من إيجابية، إلا أنها ساوت بين القاتل والقتيل فلم تدن قتل إسرائيل أسراً بكاملها وأطفالاً. وأتصور لهجة الافتتاحية لو أن القاتل كان من حماس. «رضينا بالبين والبين ما رضي بينا» كما يقول المثل الشعبي. وقد أيدت حل الدولتين قبل أبو عمار، ولا أزال أفعل، مع أنه يعطي الفلسطينيين 22 في المئة من أرضهم التاريخية وهي من البحر إلى النهر. وكان دافعي حماية أرواح الفلسطينيين واليهود، فأنا لست من نوع مجرمي الحرب النازيين الجدد الذين انتخبهم الإسرائيليون ليزعموا أنهم حكومة بدل عصابة جريمة، كما هم فعلاً، ولا أقبل أبداً أن تُقتل أسرة يهودية في منزلها، ويكون بين الضحايا خمسة أطفال، كما حدث لعائلة الدلو في غزة. لا أقبل إطلاقاً أن تسمى هذه الجريمة خطأ أو حادثاً، فإذا كان الإسرائيليون يستطيعون أن يصيبوا رجلاً على دراجة نارية، فهم يستطيعون أن يفرقوا بين بيت فيه أطفال ومقاتل. في مقابل لاشرعية إسرائيل تملك حماس شرعية مطلقة، فهي حركة تحرر وطني في وجه الاحتلال الهمجي المستمر، وشرعيتها مكتوبة في قوانين الأرض والسماء. ليس هذا دفاعاً عن حماس فهي ترتكب الخطأ بعد الخطأ، وقد اعترضت دائماً على صواريخها التي أجدها ألعاباً نارية، تشجع إسرائيل على الرد وقتل الأبرياء. الافتتاحية تقول إن الوقت حان ليتكلم الزعماء العرب الحقيقة وليتوقفوا عن تجاهل مسؤولية حماس. حماس تتحمل بعض المسؤولية غير أنني أجد أن الوقت حان لتتحمل «نيويورك تايمز» والصحف الأخرى الليبرالية في كل شيء إلا عندما يكون الموضوع إسرائيل المسؤولية عن قول الحقيقة، ففي إسرائيل حكومة عنصرية لا تريد السلام أتجاوزها إلى كل الحكومات السابقة وأتهمها مجتمعة بالمسؤولية الكاملة عن إرهاب الطرف الآخر وعن الانتحاريين حول العالم، فالاحتلال المستمر هو الذي أطلق الإرهاب المضاد. وأنا لست سائحاً في نيويورك أو القدس أو بيروت، وإنما إبن الأحداث. وعندما طلب أبو عمار في السبعينات مقاتلين لعملية انتحارية لم يجد فلسطينياً واحداً يقبل مثل هذا العمل فكان أن استعان بالجيش الأحمر الياباني في عملية مطار اللد سنة 1972. اليوم الانتحاريون يقفون في طابور، أو صف، للقيام بالعمليات، ومرة أخرى أتهم إسرائيل بالمسؤولية. لو أن الكتّاب الليكوديين في صحف ليبرالية انتصروا لأميركا بدل إسرائيل، ربما كانت توقفت المساعدات العسكرية والاقتصادية لبلد محتل خصوصاً في زمن أزمة اقتصادية خانقة، وربما كان السلام أصبح أقرب منالاً. غير أن كل إدارة أميركية شريكة في الاحتلال والقتل، وقبل أطفال أسرة الدلو كان هناك 1500 قاصر فلسطيني، أي دون الخامسة عشرة، قتلتهم إسرائيل منذ 29/9/2000، أي بدء الانتفاضة الثانية، مقابل 135 قاصراً إسرائيلياً. هذه نسبة نازية، أكثر من عشرة إلى واحد، تنفي عن إسرائيل أي شرعية. [email protected]