أصدر الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز السابق عبدالله بن حمد الحقيل كتابين في مجال الرحلات، أحدهما ينتمي إلى عالم الكتابة عن الرحلات في العصر الحديث بعنوان: «رحلة إلى اليابان»، والآخر ينتقي من تجارب مشاهير وأدباء ومؤرخين دوّنوا وسجلوا رحلاتهم الشائقة إلى الحج. ومن هؤلاء ابن جبير الأندلسي، وابن بطوطة، وناصر خسرو شاه. ويرى الحقيل أن ابن جبير الأندلسي في رحلته إلى الحج «جاب العديد من البلاد، فهو يقص ما شاهده في طريقه إلى حجه وعودته منه، وهي مكتوبة بشكل مذكرات يومية، فجمع كل مشهد وكل بلدة بالتاريخ واليوم والشهر، ويظهر أنها كتبها كما يقول الدكتور شوقي ضيف أوراقاً منفصلة ولم يجمعها بنفسه، بل جمعها بعض تلاميذه ونشروها بعد وفاته باسم «تذكرة الأخبار عن اتفاقات الأسفار»، ومع ذلك فإن من نشرها في العصر الحديث من المستشرقين والعرب آثروا أن يطلقوا عليها اسم «رحلة ابن جبير» وهي رحلة لا تزال لها شهرة مدوية إلى وقتنا الحاضر». ويتابع: «حين يختتم ابن جبير إقامته بمكةالمكرمة، لا ينسى أن يذكر مدة إقامته بها، وقد اختار هذه المرة ألا يعود عن طريق البحر الأحمر، بل صحب الركب العراقي إلى بغداد، وبدأت رحلته من حي الزاهر، مروراً بوادي فاطمة، وعلى عادته، فهو يصف الطريق، وموكب الحجيج، ورحلته هذه مكتوبة بلغة سهلة ملائمة تماماً لموضوعها، وطريقته في السرد محببة إلى النفس وهو يصف ما يشاهده وصفاً دقيقاً، وترك نفسه على سجيتها، فلم يتكلف في عبارة ولا فكرة، ونراه يذكر ما داخله من مشاعر وأحاسيس إزاء بعض المواقف والأحداث، صادقاً صريحاً، إذ عرض علينا وصفه للكعبة وكسوتها، ولكل ما بداخل المسجد من أجزاء، ويطيل في وصف المنبر وهيئة خطيبه يوم الجمعة، وما يقوله من أدعية، ولم يترك شيئاً في المسجد الحرام ولا في ظاهره وسطحه إلا ويصفه وصفاً دقيقاً، ثم يصف مكة وآثارها وجبالها ومشاهدها وأبوابها، ومطاعمها وحماماتها واحتفال الناس برمضان ويوم العيد، ويفيض في وصف مناسك الحج ومشاعره وصف المشاهد الذي لا تفوته صغيرة ولا كبيرة، إذ يتميز بالدقة وحب الوصف الأدبي، تاركاً وصفاً حياً للمسجد الحرام ومكةالمكرمة». وحول يوميات ابن جبير يرى الحقيل أنه «يسجل دائماً ما يكتب في صورة يوميات، إذ قصّ أحاديث كثيرة، وكانت مخيلته من المخيلات اللاقطة التي تلتقط كل ما تشاهده وتسجله مع التوفيق في الرؤية، ومن يطلع على رحلته كاملة سيراها جدية بالقراءة والتأمل، وكل ذلك وغيره مما لا نراه في كتب الرحلات هو ذخائر نفيسة ومعلومات شائقة». وفي نهاية حكاية الحقيل لانطباعاته عن أدب الرحلات يقول: «إن الرحلات من أهم فنون الأدب العربي، إذ ارتبطت الرحلة بالبحث والاكتشاف والتنقيب والوصف وغير ذلك من المقومات والأبعاد المميزة». ويختتم قائلاً: «تلكم بعض الصفحات واللمحات من رحلة ابن جبير في سجل مكثف، وتعتبر رحلته من أحسن كتب الرحلات الأندلسية، وأمتعها، وقد ترجمت إلى الكثير من اللغات». وينحو الحقيل النحو نفسه حين يتحدث في كتابه عن رحلة الحج في القرن الثامن الهجري كما وصفها ابن بطوطة، فيقدم لذلك ممهداً بقوله: «تفيض كتب التاريخ والحديث بالروايات والأخبار والقصص عن المحدثين الذين قاموا برحلات إلى الحج وأخرى بصدد جمع الأحاديث وتدوينها، وكذلك الرحالة كانوا يذهبون ويرتحلون من أجل التجارة والالتقاء بالعلماء والأدباء والمؤرخين والأطباء، ووصف طريق الحج والمشاعر المقدسة والحرمين وما بهما من آثار ومعالم وعلماء ومخطوطات وأماكن ومساجد ومكتبات، وما أعظم ما كتبه الرحالة ابن بطوطة في كتابه: «تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، ثم يصفه بأنه «ألمع الرحالين الأندلسيين، ويعتبر نموذجاً فريداً للرحالة المغاربة والأندلسيين، على يديه أخذت الرحلة شكلها النهائي». ويستطرد في وصف رحلة ابن بطوطة بقوله: «رحلاته من أطرف الرحلات لما فيها من وصف للعادات والتقاليد، ولما فيها من فوائد تاريخية وجغرافية، ومن ضبط لأسماء الرجال والنساء والمدن والأماكن، فهو يعتبر شيخ الرحالة المسلمين، طوى المشارق والمغارب، فرحلته من أوسع الرحلات في القرون الوسطى، ومن سطور رحلته يظهر لنا ابن بطوطة الفقيه وعالم الاجتماع والجغرافي والاقتصادي، فاجتمعت له بذلك العديد من الصفات، وربما يعود ذلك إلى كثرة تنقلاته واتصالاته بالناس، مما أدى إلى اتساع أفقه ومداركه».