في بداية الستينات، اصبح لبنان اول بلد في الشرق الاوسط يجري تجارب ناجحة على اطلاق صواريخ علمية وصل مداها الى 600 كيلومتر فيما تم وضع نواة مشروع لارسال قمر اصطناعي وفأر الى الفضاء الخارجي، الا ان غالبية اللبنانيين لا يعرفون ان بلدهم الصغير كان يوما جزءا من حلم غزو الفضاء. يستكشف الفيلم الوثائقي "النادي اللبناني للصواريخ"، للمخرجين خليل جريج وجوانا حاجي توما، هذه الوقائع التاريخية المذهلة التي تبقى بشكل غريب خارج الذاكرة الجماعية للبنانيين. ويبحث الفيلم عن الصور المتبقية من مشروع الصواريخ في لبنان وعن من كانوا في اساس هذا المشروع الذي ولد في رحم جامعة هايكازيان الارمنية الصغيرة في بيروت. وينجح المخرجان في الوصول الى مانوغ مانوغيان، استاذ الرياضيات الارمني الذي اطلق المشروع مع مجموعة من طلابه، وغالبيتهم من اللبنانيين الارمن، والذي بات اكاديميا بارزا في فلوريدا. ويحتفظ مانوغيان بتفاصيل وصور وتسجيلات فريدة عن حقبة مشروع الصواريخ الذي استمر بين 1960 و1964، وشكلت هذه الوثائق المصدر الرئيسي للفيلم الوثائقي. وتظهر هذه الوثائق كيف كان طلاب مانوغيان يجبلون بايديهم الوقود الصلب للصواريخ التي يصنعونها من الانابيب المعدنية المتوفرة في السوق، ويجرون التجارب على الصواريخ في جبال لبنان الوعرة. وكانت الدول الكبرى ترفض تزويد لبنان بوقود الصواريخ، فعمد فريق مانوغيان نفسه إلى صنع الوقود. وبعد عدة تجارب فاشلة، تمكن الطلاب من اطلاق صاروخ وصل مداه الى كيلومتر. واطلق على هذه الصواريخ العلمية اسم "ارز". ويروي مانوغيان كيف تحول مشروع الصواريخ الى مدعاة فخر للبنانيين وانما اجتذب ايضا مخاوف جمة من جيران لبنان، بما في ذلك اسرائيل التي سبقها لبنان في مجال صناعة الصواريخ! وبعد نجاحات جامعة هياكازيان، دخل الجيش اللبناني عام 1962 شريكاً في المشروع، في وقت كان لبنان يعيش تحت وطأة الصراع بين تيار يميل للغرب وآخر للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ضمن واقع يعكس الصورة الاكبر للصراع بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي، خصوصا في مجال الفضاء. وبات المشروع عندها مشروعا وطنيا يشترك فيه المدنيون والعسكريون. ووافقت الدولة على تقديم تمويل محدود للمشروع من خلال وزارة التربية والتعليم. ويلتقي صانعا الفيلم بالضابط يوسف وهبة الذي كان شابا برتبة ملازم عندما انضم الى مانوغيان بعد ان تلقى دورات في الصواريخ البالستية في الولاياتالمتحدة وشارك في تجربة اطلاق صاروخ فرنسي عملاق في الصحراء الجزائرية. وبالرغم من التاكيد الرسمي على الطابع العلمي حصراً للمشروع، اكد وهبة في الفيلم ان "الضباط كانوا يفكرون بالتاكيد بان الصواريخ يمكنها ان تكون مشروع تسلح، ولكن للمدنيين في المشروع كنا نقول انه مشروع علمي". وما انفكت صواريخ "ارز" التي تحمل ارقاما من 1 الى 8، تزداد ضخامة ودقة ومدى. وبلغ مداها اكثر من 600 كيلومتر، ما يضع نظريا دولاً إقليمية في مرماها. وتجنب لبنان ازمة دبلوماسية عالمية عندما كاد صاروخ "ارز" يسقط على سفينة حربية قبرصية بالقرب من ساحل الجزيرة المتوسطية، ما دفع ببريطانيا الى الاحتجاج رسميا على لبنان امام مجلس الامن. وأكد مانوغيان في الفيلم انه وضع مع طلابه والجيش خطة لاطلاق قمر اصطناعي، كما تم التحضير لارسال "فأر" صغير اطلق عليه اسم "ميكي" الى الفضاء. وروى مانوغيان كيف عرض عليه قائد دولة اقليمية لم يسمها ادارة مشروع مماثل لدى هذه الدولة. وفي 1964، اتت كلمة سر من الرئيس اللبناني فؤاد شهاب تقضي بوقف المشروع بعد حادث حريق في مختبر الوقود، الا ان مانوغيان اكد ضغطا خارجيا ادى الى وقف المشروع، بالتحديد من فرنسا ورئيسها شارل ديغول الذي اوحى للرئيس اللبناني ان مشروع الصواريخ قد يدخل لبنان في ورطة. وينتهي الفيلم، الذي عرض أخيراً في الدوحة، بلقطات رسوم "انيمايشن" تتخيل لبنان بلداً متطوراً يمتلك اقمارا اصطناعية ومركبات تغزو الفضاء وتحمل حضارة الانسان الى ما خلف الكواكب ... بينما بقي لبنان غارقاً في ازماته السياسية وانقساماته الطائفية وفي تأثيرات الآخرين عليه.