تعتبر مسألة النقد السينمائي مسألة أساسية في مسار الفعل السينمائي ومصيره، فلا سينما حقيقية في غياب نقد جاد، يتابع مستجداتها ويستطلع آخر منتجاتها، ويقف متسائلاُ حول الأعمال التي قدّمتها بكل موضوعية، بعيداً من المزايدات من جهة، وبعيداً من التنويه المفرط الذي لا يساهم بتاتاً في عملية التطوير والإجادة المرغوبة من جهة أخرى. ذلك أن من مسؤولية النقد السينمائي ليس الاكتفاء فقط بالحديث عن المسائل النظرية الموجودة في بطون الكتب، الغربية منها تحديداً، وإن كان ذلك أساسياً في عملية التكوين ولا بد منه، بقدر ما هو تحليل وغوص في بيّنات الأفلام السينمائية، سواء على مستوى التيمات التي تطرحها أو على مستوى التقنيات والتوزيع الإخراجي الذي يشكل إطارها السينمائي الكلي، وتقديم ذلك في لغة واصفة تتمثل فيها كل مواصفات النقد السينمائي العميق، الذي يشكل هو الآخر نصاً ثقافياً هاماً يساهم في الرقي بالثقافة السينمائية بكل أبعادها. هذا النقد السينمائي حتى وإن استفاد من المناهج الحديثة في عملية تحليله هذه الأفلام السينمائية، يجب عليه أن يظل مرتبطاً بهذه الأفلام السينمائية وبما تقدمه هي، بعيداً من كل إسقاطات منهجية غير منبثقة من داخل بنية هذه الأفلام السينمائية موضع التحليل. وهو إن فعل ذلك، فإنه سيحقق لنفسه وجوداً فاعلاً في التربة السينمائية التي يشتغل فيها. النقد السينمائي بهذا المعنى هو نقد يجمع بين الموضوعية العلمية المتمثلة في قدرته على الاستفادة من المناهج النقدية العالمية، خصوصاً ما انصب منها على تفكيك بنية الصورة في كليتها وبينة الصورة السينمائية على وجه التحديد، كما هو الأمر عند كل من رولان بارت وجوليان غريماس وكريستيان ميتز، أو في اعتبار الفعل السينمائي نتاج وعي ثقافي متكامل يجب الوقوف عنده، كما هو الأمر عند الفلاسفة الذين اهتموا بمجال السينما، كما هو الأمر مع كل من جيل دولوز وإدغار موران وغيرهم. مثل هذا النقد السينمائي نجد له حضوراً في المشهد السينمائي المغربي، خصوصاً في الندوات العلمية التي تقام في رحاب الجامعات المغربية، والتي لاحظنا أن «الجمعية المغربية لنقاد السينما» قد ولجت إلى رحابها وأقامت بعض أنشطتها هناك بكثير من الجدية والبعد الفكري السينمائي العميق، كما نجد له حضوراً في بعض الكتب النقدية التي جعلت من السينما موضوعا لها واشتغلت على تفكيك الأفلام السينمائية بكثير من العمق. ومع كل ذلك، فإن هذا النقد السينمائي الجاد والمسؤول يجب إيلاؤه مزيداً من الاهتمام الجدير به، لأن هذا الاهتمام بقدر ما يطور هذا النقد السينمائي في حد ذاته، بقدر ما يطور أيضا الفعل السينمائي المغربي في كليته، وطبعاً من دون أن يعني هذا أبداً التخلي عن باقي أنواع النقد الأخرى، التي ترتبط بالمجال السينمائي وتساهم بدروها في الحرص على تقديمه للجمهور العام والوقوف عند الأفلام السينمائية الجديدة والتعريف بها وبما تقدمه، وفي مقدمتها النقد الصحافي والمتابعات السينمائية. ذلك النقد الجدير هو الآخر بكل تقدير، والذي لا بد لنا من الوقوف عنده بشكل من الدقة والتفصيل وتخصيص حيز له في الرؤى التي نقدمها حول المجال السينمائي والثقافة السينمائية.