أمام حوالى ستة آلاف مندوب يهتفون باسمه، ويصفقون مرددين نشيد الحزب الذي «يشكر الله» على وجوده، اختتم رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني في روما يوم الأحد الماضي، مؤتمراً استمر ثلاثة أيام أعلن خلاله تأسيس حزب «شعب الحرية»، وهو تحالف يضم حزبي «فورتزا إيطاليا» الذي يتزعمه بيرلوسكوني وحزب «التحالف الوطني» النيو فاشي بزعامة رئيس البرلمان جيانفرانكو فيني و11 حزباً يمينياً آخر، بينهم فصيل ترأسه اليساندرا موسوليني حفيدة الديكتاتور الراحل بينيتو موسوليني (الدوتشي). في خطاب وصفته صحيفة «لا ريبوبليكا» اليسارية بأنه «مسيحاني»، اعتبر بيرلوسكوني المندوبين «رسلاً للحرية التي هي ديننا المدني»، وهاجم «القضاء الشيوعي» والمعارضة، معتبراً ان «اليسار لم يتمتع يوماً بالشجاعة الكافية لنبذ الشيوعية وطلب الصفح من الإيطاليين». ولم يقدّم بيرلوسكوني أي برنامج محدد، متعهداً المضي قدماً في الإصلاحات التي يسعى الى تطبيقها «مع المعارضة أو من دونها». وكرر دعوته الى إجراء تعديلات دستورية «تنهي النظام البرلماني»، مطالباً ب «سلطة أكبر» لرئيس الوزراء الذي اعتبر ان صلاحياته «وهمية في إيطاليا، فيما أنه يتمتع بسلطات حقيقية في كل الديموقراطيات الكبرى». خرج بيرلوسكوني من المؤتمر الذي اعتُبر تجسيداً ل «الثورة» المحافظة، «بطريركاً مُتوّجاً» لليمين، بعدما حقق حلمه في فرض نفسه زعيماً أوحد، كلمته مُطاعة وشخصه فوق المساءلة، في ما وصفته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية ب «عبادة الفرد». ويحلو لبيرلوسكوني أن يعتبر تأسيس الحزب الجديد مدخلاً لتطبيق نظام حكم الحزبين في إيطاليا، في مواجهة «الحزب الديموقراطي» اليساري المعارض. لكن جوف اندروز مؤلّف كتاب «ليس بلداً عادياً» حول إيطاليا، شكك في الأمر، مشيراً الى «ثقل التاريخ الإيطالي، وخصوصية تقاليده السياسية، وهي في هذه الحالة إرث الفاشية، وتقاليد الزعماء الأقوياء». والواقع ان حزبي «فورتزا إيطاليا» و «التحالف الوطني» مختلفان: الأول حزب-شركة «مملوك» لبيرلوسكوني الذي أسسه عام 1994 خلال 3 شهور فقط، وكان يفتقد أي هيكلية حزبية إذ شكّل موظفو مؤسسات بيرلوسكوني عماده الأساسي، لكنه حصد 30 في المئة من الأصوات في الانتخابات الاشتراعية تلك السنة. أما الثاني فهو حزب تقليدي ايديولوجي، على رغم أن فيني خفف كثيراً من غلوائه. وقال المحلل السياسي في صحيفة «كورييري ديلا سيرا» سيرجيو رومانو: «في أوجه كثيرة، إن التحالف الوطني نقيض لفورتزا إيطاليا»، كما يعتبر كريستوفر دوغان مؤلف كتاب «قوة المصير» حول تاريخ إيطاليا، ان اندماج الحزبين يشكل انتصاراً للأفكار الفاشية التي ستتغلغل في الحزب الجديد، بعدما اجتاحت المجتمع وملاعب كرة القدم. ويبدو ان بيرلوسكوني يسعى إلى إقامة نظام رئاسي على غرار فرنسا، كي يتبوأ المنصب عند انتهاء ولاية الرئيس الحالي جيورجيو نابوليتانو عام 2013. وإذ يقول البعض إن فيني (57 سنة) الذي نأى بنفسه عن ماضيه الفاشي، يُعدّ نفسه لخلافة بيرلوسكوني (72 سنة)، يرى الأخير في وزير العدل انجلينو ألفانو (38 سنة) مرشحاً مناسباً. ولا يقتصر تباين بيرلوسكوني وفيني حول تلك النقطة، بل ردّ رئيس البرلمان أيضاً على قول رئيس الوزراء ان «النواب موجودون فقط تكملة للعدد»، مؤكداً ان «للديموقراطية البرلمانية إجراءات محددة وقواعد يجب أن يلتزم بها الجميع، خصوصاً رئيس الوزراء. يمكن تغييرها بالطبع، لكن ليس السخرية منها». وما يساعد بيرلوسكوني أكثر، انه يواجه معارضة يسارية ضعيفة ومشتتة تنهشها فضائح الفساد، خصوصاً بعد الزلزال الذي أحدثته استقالة رئيس «الحزب الديموقراطي» والتر فِلتروني في شباط (فبراير) الماضي، إثر سقوط مرشح الحزب في الانتخابات الإقليمية في جزيرة سردينيا. واعتبر الرئيس الحالي للحزب داريو فرانشيسكيني أن «بيرلوسكوني أسس حزبه الجديد ليس من اجل الإصلاحات، بل سعياً الى حيازة مزيد من النفوذ». والنفوذ سمة ملازمة لبيرلوسكوني الذي يبدو أشبه ب «الأخ الأكبر» الذي يبسط سيطرة شبه شاملة على قنوات التلفزيون الخاصة والعامة في البلاد. والحديث عن إرث بيرلوسكوني الذي رأس ثلاث حكومات منذ تسعينات القرن العشرين، لا يقدّم صورة زاهية. ففي مطلع التسعينات، كان صافي الدخل القومي الإيطالي أعلى بنحو 15 في المئة عن ذاك لبريطانيا، لكنه الآن أدنى بنسبة 23 في المئة. وتحقق إيطاليا أقل نسبة نمو في الاتحاد الاوروبي والدول الصناعية الثماني الكبرى. ناهيك عن الفساد المستشري، والذي يطاول بيرلوسكوني شخصياً وعدداً من مساعديه، واتهامه برشوة القضاة. ويشن رئيس الوزراء حملة لتقليص نفوذ المدعين العامين الذين يتهمهم باضطهاده، كما ضَمَن حصانة برلمانية من الملاحقة القانونية خلال توليه منصبه. واعتبر رئيس حركة «إيطاليا القيم» انطونيو دي بييترو، وهو أحد أبرز قضاة حملة «الأيدي النظيفة» لمكافحة الفساد السياسي بما في ذلك بيرلوسكوني، أن الأخير يريد ان يصبح «دوتشي» صغيراً، وهو ما ينفيه بيرلوسكوني الذي يؤكد انه لا يقوم سوى «باستخدام نفوذه السياسي لإقناع الآخرين بالقيام بما أعتقد انه صحيح». يعتبر فِلتروني أن إيطاليا التي تقودها ائتلافات وزارية غير مستقرة منذ نصف قرن، تكبّلها مصالح خاصة ونظامها السياسي مشوّش. فهل يكون الخلاص عبر النجمة الجديدة لليسار وهي المحامية ديبورا سيرّاكياني (38 سنة) التي ألقت خطاباً لافتاً شبّهه البعض بذاك الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام مؤتمر الحزب الديموقراطي عام 2004 واعتُبر بداية سطوع نجمه؟