لم يتوانَ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن العزيز، في دعم وخدمة القضية الفلسطينية محلياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً، إذ يعكف على توجيه جميع جهوده المعنوية والمادية لدعم الشعب الفلسطيني. وكان دائماً يردد «أن قضية فلسطين قضيتنا»، كما أنه جنح للسلام بإطلاقه مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002 لتضخ السلام في المنطقة، وتكون نواة لعودة القدس إلى حضن الشعب الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ووصف قادة وديبلوماسيون البرقية التي وجهها الملك عبدالله إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الثلثاء الماضي ب«الوثيقة التاريخية» و«النداء الصادر من القلب»، الذي يعكس المواقف الشجاعة لخادم الحرمين الشريفين تجاه كل ما يعزز الموقف العربي ويساند وحدة الصف الفلسطيني. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يوجه فيها خادم الحرمين نداء إلى القادة الفلسطينيين، إذ دعاهم في 28 كانون الثاني (يناير) 2007، إلى تحكيم العقل وتغليب لغة الحوار على لغة السلاح، وقال لهم إن ما يحدث على ثرى فلسطين الطاهر وصمة عار لطخت تاريخ الكفاح الوطني المشرف لأبناء الشعب الفلسطيني، الذين استشهدوا في سبيل الله لتحرير وطنهم من براثن الاحتلال. وتابع الملك عبدالله قائلاً في حينها: «إن بلاده حكومة وشعباً لا تقبل أن تقف صامتة متفرجة، لتنظر بحزن وألم عميقين لما يدور على الساحة الفلسطينية من اقتتال بين الأشقاء أصحاب القضية الواحدة، من دون أن تتصدى لدورها الإسلامي والعروبي والأخلاقي تجاه أمانة الكلمة والفعل». وشدد القائد العربي على أن ما يحدث في أرض فلسطين الشقيقة لا يخدم غير أعداء الأمة الإسلامية والعربية، ويضع ألف علامة استفهام أمام المجتمع الدولي الذي ينظر باحترام لعدالة قضيتنا. وأكد أن الخلاف بين الأشقاء لا يحتمل ما يحدث، وإن لم يضع له العقلاء في فلسطين حداً حاسماً فورياً فسوف يستنزف كل طاقاتنا، ليقضي على كل المنجزات النضالية الفلسطينية، وسيحرم الشعب الفلسطيني الصامد كل أمل في نفض جحيم الاحتلال الصهيوني الغاشم. وجاءت البرقية التي وجهها خادم الحرمين، الثلثاء الماضي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، تعبيراً عما يجول في خاطر كل عربي ومسلم، وقال: «إن قلوب المسلمين في كل مكان تتصدع وهي ترى الإخوة وقد انقسموا إلى فريقين يكيل كل منهما للآخر التهم ويتربص به الدوائر، وأصارحكم أيها الإخوة أن العدو المتكبر المجرم لم يستطع عبر سنوات طويلة من العدوان المستمر أن يلحق من الأذى بالقضية الفلسطينية ما ألحقه الفلسطينيون أنفسهم بقضيتهم من أذى في شهور قليلة، والحق أقول لكم أيها الإخوة أنه لو أجمع العالم كلّه على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ولو حُشد لها كل وسائل الدعم والمساندة لما قامت هذه الدولة والبيت الفلسطيني منقسم على نفسه شيعاً وطوائف، كل حزب بما لديهم فرحون». كما أن البرقية جاءت في وقتها، إذ تصاعد الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني، واستحلف قائدنا خادم الحرمين الفلسطينيين جميعاً بالله رب البيت الحرام، أن يكونوا جديرين بجيرة المسجد الأقصى، وأن يكونوا حماة ربوع الإسراء، واستحلفهم بالله أن يكون إيمانهم أكبر من جراحهم، ووطنيتهم أعلى من صغائرهم، وأن يوحدوا الصف ويرأبوا الصدع، وبشرهم إن فعلوا ذلك بنصر من الله وفتح قريب، وهو سبحانه القائل ووعده الحق (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). ولم يتوان خادم الحرمين في تقديم العون والدعم والمساعدة والمساندة - المعنوية والمادية – التي لم تقتصر على الشعب الفلسطيني فقط، بل امتدت للشعوب العربية والإسلامية والصديقة، وإعانة حكومات تلك الدول على توفير النماء والازدهار لأبنائها، ومواجهة ما تتعرض له من أضرار وكوارث. كما أنه لم يتوان في دعم القضية الفلسطينية على أكثر من صعيد، إذ تتصدر القضية الفلسطينية صدر المحادثات مع الملوك والقادة والزعماء في العالمين العربي والعالمي. وتأخذ هموم الشعب الفلسطيني الجانب الأكثر خلال جلسات مجلس الوزراء السعودي، إذ يؤكد في جميع جلساته وحدة الشعب الفلسطيني، وتوحيد كلمة قياداته لما فيه مصلحة للجميع. وكان خادم الحرمين الشريفين دعا إلى عقد لقاء فلسطيني - فلسطيني في رحاب بيت الله الحرام في مكةالمكرمة بمنأى عن أي تدخل من أي طرف آخر، ليكون هذا اللقاء تجسيداً لاستقلالية القرار الفلسطيني، وقيام القيادات الفلسطينية بمسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني. ولقيت دعوة خادم الحرمين للرئيس الفلسطيني في البرقية التي وجهها له أهمية خاصة، كونها تأتي في الوقت الذي يجتمع فيه أعضاء منظمة فتح من خلال مؤتمرها السادس، ووضع برنامجهم السياسي الجديد، وفي الوقت نفسه فهي تخاطب جميع الفصائل الفلسطينية، وتذكّرهم بأهمية القضية الفلسطينية ليس للسعودية فحسب، بل للمسلمين وللعالم كافة. وفي هذا السياق، وصف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبدالرحمن محمد العطية مضامين رسالة خادم الحرمين إلى الرئيس الفلسطيني بالوثيقة التاريخية والنداء الصادر من القلب، ويعكس المواقف الشجاعة له تجاه كل ما يعزز الموقف العربي، ويساند وحدة الصف الفلسطيني. وأكد العطية مواقف دول مجلس المساندة للحق الفلسطيني والنداءات المتكررة لقادة دول المجلس في هذا المجال، وتأكيداتهم بأن الوحدة الوطنية للفلسطينيين هي الحصن والدرع الواقي لقضيتهم، ما يستوجب من الفصائل الفلسطينية سرعة العمل على لمّ الشمل وتوحيد الكلمة. من جانبه، أشاد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بموقف خادم الحرمين من القضية الفلسطينية، وتأكيده ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي أضر بالقضية. وتناولت وكالة «اليونايتد» دعوة الملك عبدالله للفلسطينيين كافة للتوحد، ووصف الصراع بين الأشقاء الفلسطينيين بالمروّع. من جانبها، ركزت وكالة الصحافة الفرنسية على ما جاء في الرسالة، خصوصاً ما يتعلق بالمشاحنة بين الفصائل الفلسطينية.