يستند الطب التقليدي عموماً على خبرة متراكمة ومختزنة لأجيال من البشر تمتد عميقاً في الزمن. وعلى رغم تقدم الطب الحديث وعلومه، ما زال الطب التقليدي يملك أسباب البقاء، وهو مستمر بسبب استخدام الناس شبه اليومي له على نحو تلقائي، في ما يُشبه العادة. وتملك للصين، ذلك العالم الشاسع، حضارة موغلة في القِدم، ولها علو كعبٍ في الطب التقليدي وفي النظرة الى الجسم والنفس معاً، بالاستناد إلى حكمة أساسية هي «سعادة الإنسان»، وإيجاد التناغم الدينامي بين قوّتي «يانغ» و «ينغ» Ying – yang. وبحسب النظرة التقليدية لهذا النوع من الطب الصيني، هناك نشاط منسجم مع الطبيعة وآخر يذهب عكس السير الطبيعي للأشياء، بمعنى أن فعل «ينغ» يتفاعل مع المحيط البيئوي للإنسان، بينما فعل «يانغ» واعٍ للذات. اليد تتلاعب بالطاقة الكامنة تركّز إحدى علاجات الطب الصيني الشعبي (تمييزاً عن الطب الرسمي) على اليد، بل تعتبرها مدخلاً لاستعادة التوازن المنشود بين «ينغ» و «يانغ». ويعرض كتاب «علاج الأمراض الشائعة باليدين» لمؤلفيه الصينيّين وانغ شينغ ووانغ ويدونغ، هذا المنحى العلاجي بالتفصيل. وصدر الكتاب مترجماً إلى اللغة العربية عن «الدار العربية للعلوم-ناشرون» Arab Scientific Publishers، ضمن سلسلة كتب مشابهة عن العلاج بالطب الصيني القديم. وتولى الزميل رفيق غدّار ترجمة الكتاب وتحقيقه، فجاءت ترجمته في 174 صفحة من القطع الوسط، مع غلاف ورقي سميك لامع. ووفق الكتاب، يستند العلاج باليدين على نظرية عن خطوط طولية تسري في الجسم، تسمى «قنوات الطاقة»، من المستطاع التعويل عليها في استعادة التوازن بين قوتي «يانغ» و «ينغ»، ما يعني شفاء الجسد والنفس من اضطرابهما. ويوضح الكتاب أن في الطب الصيني التقليدي «ترتبط اليد بشكل وثيق عبر خطوط الطول بالجلد والأوعية الدموية والعضلات والأربطة والعظام والأعضاء الداخلية للجسم». ويشير إلى أن اليد تستطيع أن تحكي عن مرض الإنسان، ويمكن التأثيرات التحفيزية والعلاجية التي يحوزها التدليك والوخز بالإبر ونقع اليدين بمنقوع الأعشاب و «الكي غُونغ»، أن تتعامل مع قنوات الطاقة بهدف ضبط المناعة وتحفيز المقاومة للمرض، وتدعيم الطاقة الكامنة في الإنسان. ويشير إلى استخدام العلاج باليدين في كثير من الأمراض المتنوعة والمتعددة، وأن الناس يلجأون إليه لأنه آمن وغير مُكلِف، كما يمكن استخدامه للتشخيص المبكر والوقاية من العِلل. نقع وبخار أعشاب يشير الكتاب إلى أن علاج الأمراض المؤلمة والوظيفية والالتهابية الحادّة بوساطة اليدين، يتضمن مقاربات تشمل الوخز بالإبر الصينية التي تتوزّع على نقاط في السواعد وراحة اليدين، مع الإشارة إلى أن لكل حال طريقة وخز تناسبها. وفي المقابل، يعتمد تدليك اليد على تحفيز نقاط الوخز المعتادة والإضافية والنقاط الانعكاسية المرتبطة بأنسجة وأعضاء داخلية متنوّعة في الجسم. وتشمل المقاربات عينها، عمليات تدليك اليد الأساسية التي تشمل الضغط والعجن والدفع والقرص والتدوير والسحب والفرك والطحن والضغط بالإصبع وغيرها. وثمة طريقة تقوم على نقع اليدين في مغليّ عشبي، بعد أن يبرد إلى درجة تناسب يد الإنسان. ويشبه هذا الأمر العلاج عبر تحفيز ساخن يطبّق على قنوات الطاقة ونقاط وخز اليد، إضافة إلى الامتصاص التدريجي للأعشاب عبر الجلد. ويعرض الكتاب طريقة علاج باليد تُسمى «كي غونغ»، ترتكز على إجراء تمارين فيزيائية لليد (والجسم أيضاً) مع تمارين تنفسية وذهنية، وعلى المُمارس أن يأخذ وضعية ملائمة ويتنفس بصورة بطيئة وثابتة. وتهدف تمارين «كي غونغ» إلى ضبط قوة «تشي»، وهي طاقة غير مرئية تتخلّل أشياء العالم كلها، بمعنى أنها الطاقة النابضة في الكائنات الحيّة جميعها. بقول آخر، تمثّل «تشي» ما يمكن أن يُسمى «قوة الحياة»، وتستعمل التنفس والنشاط الذهني، بهدف الوصول إلى توازن بين «يانغ» و «ينغ». ومن المستطاع الوصول إلى الهدف عينه بحمل الأعشاب في راحة اليد، إذ أن الأعشاب التي تستحث التعرّق وتعزّز الهضم، تُمتَصّ بصورة أفضل عبر جلد راحة اليد الساخنة والرطبة، ما يجعلها قادرة على تحفيز قنوات الطاقة ونقاط وخز اليد. وتستعمل هذه الطريقة لعلاج الزكام والصداع وشلل الوجه وعسر الهضم عند الأطفال. وتشمل «كي غونغ» تمارين من نوع خاص، مثل أرجحة الذراعين، التي تعطي نتائج إذا توافرت لها شروط، كالاسترخاء والهدوء وتوافر طقس جيد وهواء منعش وارتداء ملابس واسعة ومريحة. ووفق الكتاب، يتضمن العلاج الصيني باليدين استعمال الأساور، وهي عبارة عن دواليب مطاطية بأحجام عدة على سطحها حبيبات ناتئة تُحدِث تأثيراً يُحفِّز نقاط وخز على راحة اليد، ما يساهم في تعزيز دورة «تشي» وتحسين حركة المفاصل وإنعاش العقل. وكذلك الأمر في استخدام الكُرات (صخر، زجاج، معدن...) في اليد، إذ تضغط هذه الأشياء على نقاط وخز راحة اليد لإرخاء العضلات وتعزيز دورة الدم وتحسين حركة المفاصل. ويفترض أن هذه التمارين تفيد العقل والجسم معاً.