حضور متأخر للكتابة عن عملاق وطني، عشقنا معه الوطن وتعلمنا حبه، مسح دموعنا، وأقنعنا تماماً بأن الوطن مختلف كبير، حين تكالبت ظروف قاهرة على التراب والوطن فوقف هو ورجاله سداً منيعاً وشوكة في نحور المعتدين، مضحياً بكل شيء من أجل إنقاذ سمعة الدين العظيم، وإبقاء وطننا بهويته الحقيقية العالية، تأخرت في الحضور للتهنئة حرصاً على أن أقرأ واستمتع وأدون سيرة ذهبية، وقفزات أمنية لأكثر من ثلاثة عقود، ومنجزات مواطن حازم صارم غيور محب، إنما تعبت من القراءة ولم يتعب - العملاق - من الحضور اليومي في ذاكرة المواطن السعودي وقلبه، كنت في حاجة للتزود بقدرات أعلى من قدرات عقلي الصغير على قراءة تاريخه، والاستيعاب الكلي للانجازات الشاملة لرجل وطن التي تفوق في المجال الأمني فقط عمر كاتب هذه السطور، وتأكدت أن المستحيل بعينه تضمين تاريخ شامل أو قراءة فاحصة ثاقبة واختصار جهود رجل دولة في سطور خجولة! هذا هو المواطن الصالح - النائف - نايف بن عبدالعزيز، صاحب التجربة الأمنية التي يتربع بها على خريطة أمن أعظم بلد، هو الحازم بلا عنف، والرحوم بلا تساهل، انه قلب الأمن النابض الذي منح أجسادنا لذة النوم باطمئنان، حين قال لأفراد وطنه أنا «هنا»! هو من علمنا واحداً تلو الآخر معنى الوطن، ذلك المعنى الذي اختصرته ذات سؤال مباغت من صديقي حين طلب مني تعريفاً مختصراً عن الوطن - ولأنه من الصعب الإيجاز المقنع - إلا أني أجبته سريعاً وقلت، الوطن - باختصار - هو المكان الذي تضم فيه ابنك الصغير وتنام بأمان، ادرسوا واستوعبوا الرابط الكبير لأكثر من ثلاثة عقود بين نايف بن عبدالعزيز والأمن، واستعيدوا إجابتي السريعة المختصرة للوطن. هو الرجل الذي زرع فينا الطمأنينة، والثبات ساعات الإرهاب الأسود، وأصر على أن ينتزع الجذور من الأساس، هو من تعب كثيراً حتى يحافظ على تماسك نسيجنا الاجتماعي بجدارة واقتدار، هو رجل الأمن الأول الذي عمل لأن تعيش أجسادنا لذة النوم بلا خوف، واستوعبنا معه ماذا يعني الوطن في الخارج، انه الخبير الذي أصر على فكرة «المناصحة»، وصمد أمام المخالفين الذين طالبوا بالرؤوس ولكن إحساس الأب بداخله وحس القائد الإنساني الفعال قالا له: إن لكل خارج عن الطريق، أماً وأباً وإخوة وأقارب لم يذنبوا ولكنهم فجعوا بأبنائهم حين غدروا بوطنهم وبهم، وأنزلوا رؤوسهم في مجتمع ينتقد كل من يخطئ ويشمل بانتقاده العنيف الأصول والفروع، حضر حينها كما هو يحضر في كل موقف وطني وإنساني مبهج أو مؤلم في كامل هدوئه المعتاد، قرر أن يشاركهم الحزن والألم، وأصر بأن يشارك كل أب وأم المشاعر والظروف والعواطف، لبسها جميعاً واستحضر سيرة الأبناء المخطئين، وقصص طفولتهم وأمكنتهم الخاصة في أعماق أهلهم فاحتضنهم حين عادوا تائبين، وأعادهم للأحضان التي اعتادوها، يكفيه انه الاسم الذي يتصارع حوله أبناء الشهداء حين يصر كل منهم انه الأب الحقيقي. النائب الثاني وزير الداخلية، هنيئاً للوطن بك فلقد احبك وأحبك أهله، وأحببتك كمواطن، وعلمت كل من حولي محبتك، لأنك قيمة وقامة «بلد»، نذرت نفسها السنين الطوال لأن يكون الإنسان السعودي سعيداً طموحاً صامداً مستقيماً متفائلاً آمناً.