بصرف النظر عن هوية المرشح الذي سيفوز في الانتخابات، أكان الرئيس باراك أوباما أم منافسه الجمهوري ميت رومني، سيواجه المشكلة الأساسية عينها بالنسبة إلى فلسطين. وقد سبق للمناظرة بينهما حول السياسة الخارجية أن أشارت إلى أنهما لا يختلفان كثيراً في شأن معظم المسائل المرتبطة بالعلاقات الدولية، وقد حاول كل منهما المزايدة على الآخر في دعم إسرائيل. لكن، على رغم السياسة المعتمدة محلياً، ستضطر أي إدارة أميركية إلى مواجهة المشكلة، وهي أن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لن يزول. وقد حاولت إدارات مختلفة، أحدثها العهد الأول من إدارة جورج بوش الابن، اعتماد سياسة «الإهمال الحميد»، معتبرةً المشكلة إما مستعصية، ما يوجب بالتالي تجنّبها، أو ثانوية جداً، ما يحول دون إدراجها ضمن الأولويات. وتتصدى كل الجهود من هذا القبيل للواقع الذي يشير إلى أن هذا الصراع ليس تحت السيطرة ولا يمكن تجاهله. على ما يبدو، يستعدّ رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو للفوز في الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في كانون الثاني (يناير) المقبل. وهو يروّج بحماسة لعقلية «إسرائيل القلعة»، لا سيّما في سياق الثورات العربية، وقد سلّط الاهتمام الإسرائيلي والأميركي بالكامل على إيران، بعيداً من النشاط الاستيطاني العديم الرأفة الذي تواصله إسرائيل في الأراضي المحتلة. والجدير ذكره أن أوباما والرئيس محمود عباس سمحا لنتانياهو، من خلال الهفوات التي ارتكباها، بالتفوق عليهما مراراً وتكراراً على صعيد فرض المستوطنات والتفاوض. لفت عبّاس إلى أنه قد يوافق على العودة إلى التفاوض مع إسرائيل من دون شروط مسبقة بعد تصويت للأمم المتحدة على رفع تمثيل فلسطين إلى دولة مراقبة غير عضو في الأممالمتحدة، سيجرى في وقت لاحق من تشرين الثاني (نوفمبر). وسيشكل الأمر خطوة أولى مهمة في سبيل استعادة العلاقات مع الغرب واستئناف أعمال إغاثة ضرورية للغاية، من شأنها التخفيف من حدّة الأزمة المالية الخطيرة والمزعزعة للاستقرار التي تعانيها السلطة الفلسطينية. وحتى إن قبل الفلسطينيون باستئناف مفاوضات موضوعية، سيكون من الضروري القيام بأعمال تحضيرية كبيرة لإرساء الأسس الضرورية لئلا تكون المفاوضات عقيمة. كما يجدر تحويل حسابات نتانياهو. ففي حال مُنح من جديد متسعاً للتصرف، فسيتجنّب المفاوضات، بغض النظر عن قلّة الإنصاف الذي يتضمنه ذلك، ويلقي اللوم صراحةً على الفلسطينيين. وبالتالي، يجب أن تقوم أولويات كلّ من الأميركيين والفلسطينيين على إصلاح العلاقة بين الطرفين. ومن المستبعد إلى حد كبير أن يبلغ الفلسطينيون أهدافهم الوطنية في غياب تعاون لافت مع الأميركيين، بغضّ النظر عن مدى الإزعاج الذي تسببه هذه العلاقة في نظرهم. وحتى في نشاطاتهم اليومية، لم يتمكنوا من العثور على بديل من الدعم الغربي. المصالحة الفلسطينية أولاً وتواجه الدول العربية بدورها قرارات بالغة الأهمية في شأن فلسطين، حيث لا مفر من المصالحة الوطنية الفلسطينية. أما السؤال، فيُطرح عن الطرف الذي ستُتَّبَع شروطُه، فهل هو غزة أم رام الله؟ وقد اتخذ أمير قطر قراره في هذا الشأن في زيارته الأخيرة إلى غزة، حيث حمل وعوداً بتقديم مساعدات مالية وفي مجال إعادة البناء لحركة حماس، وإنشاء بعثة ديبلوماسية في الأراضي الفلسطينية. من خلال تأييد حركة حماس، لا شك في أن قطر انتهكت التوافق السائد بين العرب بمنح منظمة التحرير الفلسطينية الحق الحصري بالكلام نيابة عن الفلسطينيين، علماً أن دولاً عربية كثيرة لم تبذل ما يكفي من الجهود، لتتمكن حكومة رام الله من تحمّل تبعات فشل المبادرة التي قامت بها الأممالمتحدة السنة الماضية، أو الجهود المقبلة التي أعيد إحياؤها، وهي جهود أيّدتها الدول العربية في الحالتين. ولا شك في أن الجميع يريدون اختبار واقع بديل، لكن هذا الأخير ليس متوافراً. على صعيد آخر، من المؤكد أن الإدارة الأميركية المقبلة سترغب في تجاهل القضية الفلسطينية وتجنّب أي خلاف مع إسرائيل في شأن المستوطنات أو أي موضوع آخر. لكنها لا تستطيع صيانة المصالح الأميركية المتأتية عن السلام في الشرق الأوسط من دون بذل جهود كبيرة تشتمل على مواجهة مع إسرائيل. وتتمنى إسرائيل أن يدعها العالم تنجز بهدوء استعمارها ومصادرتها الفعلية للأراضي المحتلة، وتأمل في أن يتقبل العالم العربي ذلك في مطلق الأحوال. إلا أن ردّ فعل العرب سيكون مختلفاً على هذا المشروع التوسعي الخارج عن القانون. ويفضّل الفلسطينيون التعامل مع وسيط وراعٍ غير الولاياتالمتحدة التي يعتبرونها مقربة أكثر مما ينبغي من إسرائيل. ولكن، ما من دولة أخرى مهتمة بأداء هذا الدور أو قادرة على الاضطلاع به، كما أنه ما من طرف آخر من شأنه حتّى التعويض للسلطة الفلسطينية الفقيرة عن الإغاثة الأميركية التي لم تصلها. غير أن مهمة الإدارة الأميركية التالية وقادة فلسطين وإسرائيل والعالم العربي ستقوم على مواجهة الواقع كما هو، وليس كما يتمنونه أن يكون. وفي حال كان الأميركيون جديين بشأن كون السلام يخدم مصالحهم الوطنية، فعليهم استعمال نفوذهم لضمانه، وإن عنى ذلك مواجهة مع إسرائيل. وإن أراد الإسرائيليون العيش بسلام وأمن، فحريّ بهم التوصل إلى اتفاق سلام منطقي مع الفلسطينيين. وفي حال أرادت الدول العربية إيجاد حل للمشكلة، فعليها أن تدعم الأطراف المستعدة لإحلال السلام. وإن أراد الفلسطينيون إنشاء دولة مستقلة، فعليهم أن يصلحوا علاقاتهم مع الغرب، لا سيّما الولاياتالمتحدة، والتعاون معها كشركاء. وقد يعتبر البعض هذا الأمر مثيراً للاشمئزاز، إلا أنها الطريقة الوحيدة لتحقيق النجاح، وتقوم الحقيقة الصعبة على أن أكبر أداة دعم يملكها الفلسطينيون هي التوافق الأميركي على أن اتفاقية سلام تشمل دولتين تخدم المصالح الوطنية الأميركية. * كبير الباحثين في «فرقة العمل الأميركية حول فلسطين»