تتوقع مصادر رسمية ومراقبة مواكبة للاتصالات الجارية من أجل استكشاف مخرج من المأزق السياسي الذي بات لبنان أمامه مع اغتيال رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن، أن تدخل البلاد حالاً من الشلل السياسي نتيجة انسداد أفق الحلول السياسية، حتى إشعار آخر، ما لم يحصل اختراق في الجدار المسدود، «وهذا بات يحتاج إلى معجزة في الداخل» نظراً إلى اتساع رقعة الخلاف والتباعد وتصاعد الاستقطاب السياسي، لا سيما بعد انفجار الخلاف بين زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وبين رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ليل الخميس الماضي والذي أعاد الأمور إلى نقطة الصفر بينهما. وترى الأوساط الساعية إلى استكشاف احتمالات إحداث اختراق ما أن الجهة الوحيدة القادرة، بعد هذا القدر من الاستقطاب، على إبقاء التداول في مخارج للأزمة، هي رئاسة الجمهورية، إذ يعمل الرئيس ميشال سليمان، تحت عنوان التشاور مع أقطاب هيئة الحوار الوطني، على الإفادة من لقاءاته مع هؤلاء الأقطاب لإبقاء خيط التواصل قائماً بين الفرقاء عبره من جهة، ولدعوتهم إلى تهدئة الموقف السياسي ليجري البحث في أفكار معالجة الأزمة، لكن من دون أن يتمكن حتى الآن من تحديد خيارات واضحة في هذا الصدد، ما يبقي تحركه تحت سقف اتفاقه مع جنبلاط ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي على عدم اتخاذ أي خطوة تتعلق باستقالة الحكومة إذا لم تكن هناك رؤية تتيح تجنب حصول فراغ حكومي نتيجة تعذر تشكيل حكومة جديدة. وفي سياق إفادته من اتصالاته من أجل تهدئة لغة التخاطب وسط تصاعد التأزم، أجرى سليمان اتصالات هاتفية شملت الحريري وجنبلاط بعد انفجار الخلاف بينهما، وهو سيتابع لقاءاته بدءاً من غد الاثنين مع أقطاب الحوار، لكن الصورة تميل إلى التشاؤم بإمكان إحداث اختراق في المواقف المحلية طالما بقي جنبلاط على رفضه استقالة الحكومة، وبالتالي امتناع ميقاتي عن سلوك هذا الخيار، لأنه يربط أي خطوة يقدم عليها بالاتفاق مع جنبلاط ويعتبر أن موقفيهما متطابقان ولا مجال للفصل بينهما مهما كانت الأسباب والظروف. الحلقة المفرغة ويشير المواكبون لاتصالات رئيس الجمهورية إلى أن القوة الرئيسية في الأكثرية التي تقف وراء حكومة ميقاتي أي «حزب الله»، ليست في وارد البحث بأي تغيير حكومي، والحزب لن يتزحزح عن هذا الموقف لرفضه الدخول في بحث مع الحريري و «تيار المستقبل» في هذا الشأن في ظل الظروف الإقليمية الراهنة. وترى المصادر أن البلد دخل في حلقة مفرغة، إذ إن تشدد «حزب الله» في الاحتفاظ بورقة الحكومة هو سبب رئيس ولو غير معلن لدى جنبلاط، لاستبعاد الاستقالة وهو يخشى أن تؤدي إزاحتها إلى تصاعد الخلاف مع الحزب، إذ إنه لا ينفك يكرر أنه جهد لتنظيم الخلاف معه حول الأزمة السورية، إذ أن مواقفهما متباعدة حيالها، وحول جهود رئيس الجمهورية لمعالجة مسألة السلاح في إطار الاستراتيجية الدفاعية، وهو يتجنب أن يضاف موضوع استقالة الحكومة إلى هذه الخلافات فتعود العلاقة مع الحزب إلى نقطة الصفر ويتسبب ذلك بعودة التشنجات في الشارع وفي مناطق التماس بين «حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي. وتشترك الأوساط الرسمية والمراقبة في الاستنتاج القائل إن غياب أفق لأي مخرج محلي يعود إلى أن أصل الأزمة في الخارج، وأن ما يشهده الداخل هو تعبيراتها ونتائجها، ما يجعل قدرة القوى المحلية على اجتراح الحلول لها شبه مستحيلة. وتضيف هذه الأوساط: «إذا كان اغتيال اللواء الحسن جاء نتيجة قرار خارجي وفي إطار الصراع الدائر في المنطقة، وإذا كانت حسابات «حزب الله» برفض التغيير الحكومي تتصل أيضاً بقراءته للوضع الإقليمي وبالمواجهة التي يخوضها بالتحالف مع سورية وإيران، فإن هذا الانطباع يقود إلى التساؤل عما إذا كان لا مخرج من الأزمة إلا عبر الخارج مرة أخرى مثلما حصل في اتفاق الدوحة عام 2008، أو عبر موقف عربي - دولي ضاغط بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005». وتعتقد هذه الأوساط أنه مع اختلاف الظروف الآن بسبب عمق الخلافات الإقليمية حول الأزمة السورية، والانقسام الدولي - الإقليمي حول التعاطي معها، فإن توقع حصول توافق خارجي على المخارج لمأزق ما بعد اغتيال اللواء الحسن، ومطلب استقالة الحكومة، أو بقائها، يبدو أقرب إلى التعجيز هو أيضاً. فإذا كانت الدول المعنية بالوضع اللبناني تتعاطى معه كامتداد للأزمة السورية، وهي عاجزة عن التوافق على حل لها أو نهاية لعذابات وآلام الشعب السوري، فكيف لها أن تتفق على مخرج للأزمة اللبنانية الراهنة؟ وفي ظل هذه الصعوبات على الصعيد الخارجي، ثمة من يدعو إلى انتظار كيف ستتبلور إمكانات تحرك الدول المعنية بلبنان في الأيام المقبلة، فقوى 14 آذار تشير إلى أن الاتصالات التي تجريها مع بعض العواصم لإقناعها بتغيير موقفها الداعي إلى عدم المغامرة بإطاحة الحكومة مخافة حصول الفراغ، دلّت إلى أن مشاورات بدأت بين بعض العواصم الكبرى عربياً ودولياً، أدت إلى وضع المأزق اللبناني في دائرة الاهتمام، بما يتجاوز الأمور التي تُبحث في بيروت مع سفراء هذه الدول حول تعديل موقفها من مسألة ربط بقاء أو ذهاب الحكومة بالمخاوف من الفراغ. وتفيد المعلومات في هذا الصدد بأن اتصالات سعودية - عربية وسعودية - غربية نشطت خلال الأيام الماضية لتكثيف البحث في الوضع اللبناني، وهو بحث سيتواصل في الأيام المقبلة، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سيزور الرياض الأربعاء المقبل، كذلك وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، إضافة إلى التواصل المستمر مع واشنطن وتركيا والدول العربية الرئيسة. وتدعو الأوساط المتابعة لهذه المشاورات إلى انتظار نتائجها خلال الأسبوعين المقبلين. وفي ظل هذا الانتظار يجهد الرئيس سليمان إلى التهدئة مستنداً إلى خطابه في تشييع اللواء الحسن الذي أكد فيه أن اغتياله محاولة لاغتيال الدولة اللبنانية، داعياً إلى تسريع الإجراءات القضائية في ملف الوزير السابق ميشال سماحة، وهو الموقف الذي يؤهله ليلعب دوراً مع قوى 14 آذار الطرف المصاب أكثر من غيره بالجريمة، على المستوى السياسي. وفي المقابل يسعى الفريق الأكثري في الحكومة، أي «حزب الله» وحركة «أمل» ومعهما جنبلاط، إلى استئناف نشاط عمل الحكومة الأسبوع المقبل، فيما تعمل قوى 14 آذار على استمرار تحركاتها ضد الحكومة لإبقاء مطلبها باستقالتها حياً. إلا أن الشلل سيبقى عنوان الحياة السياسية، طالما أن قوى 14 آذار تصر على رفض مشاركتها في طاولة الحوار طالما لم تستقل الحكومة.