بينما يتضور أكثر من بليون شخص جوعاً في البلدان الفقيرة، تمتلئ شاحنات القمامة بملايين أطنان المواد الغذائية الفاسدة في بلدان أخرى متخمة، حيث تجد لحوماً وبقولاً وحبوباً وفواكه طازجة أو معلبة، فاسدة أو منتهية الصلاحية، مصيرها حاويات النفايات. في فرنسا شكَل صدور تقرير رسمي عن «وكالة البيئة والتحكم بالطاقة» حول هدر المواد الغذائية صدمة لدى الرأي العام، خصوصاً في الأوساط الناشطة في الجمعيات الإنسانية. فحسب التقرير يلقي كل فرنسي نحو 30 كيلوغراماً سنوياً من المواد الغذائية في القمامة، فيما يلقي التجار 750 ألف طن سنوياً من هذه المواد في حاويات النفايات، القسم الأكبر منها ما زال صالحاً للاستهلاك، بحجة أن مواصفاتها، خصوصاً أحجامها، لا تتفق مع معايير السوق أو مع متطلبات المستهلكين. وذهب تقرير آخر إلى خلاصة تشبه الفضيحة بتأكيده أن كل فرنسي يرمي 21 في المئة من المواد الغذائية التي يبتاعها في سلة النفايات. أمام هذا الواقع تحاول جمعيات مدنية فرنسية القيام بحملة توعية حيال هذا التبذير غير المبرر في القرن الحادي والعشرين، انطلاقاً من تجربة بريطانية في هذا المجال بدأت عام 2009 في ساحة الطرف الأغر في لندن وتركزت على إعداد خمسة آلاف وجبة من «النفايات» الغذائية «تبخرت» في غضون دقائق قليلة، لتنتقل التجربة إلى مدن بريستول ومانشستر ثم برلين واليوم باريس التي أقامت قبل أيام «مأدبة» من «النفايات» الغذائية المزعومة أمام القصر البلدي تبخرت بدورها خلال وقت قصير، وأجمع الذين لبوا الدعوة المفتوحة على المذاق الطيب للأطباق الخمسة آلاف التي كانت تفوح منها رائحة تابل الكاري الهندي، إلى درجة أنهم لم يصدقوا أن هذه الوجبات الغذائية كانت ستذهب إلى معامل تدوير النفايات. خبراء التسويق الغذائي يعيدون هذا التبذير الأوروبي إلى تنافس المتاجر الكبرى على جذب الزبائن من خلال العروض المغرية التي تدفع المستهلكين إلى شراء أكثر من حاجاتهم من المواد الغذائية ما يؤدي إلى فساد الكمية التي لا يستطيعون استهلاكها ضمن فترة صلاحيتها، فيكون مصيرها سلة النفايات. لذلك تنشط الجمعيات التي تهتم بالمستهلكين في توعية الجمهور واضعة هدفاً لها هو خفض الهدر الغذائي في فرنسا إلى النصف من الآن حتى العام 2025.