لا احد في طهران كان يعتقد بأن ملف اصرار الرئيس المنتخب احمدي نجاد على ملازمة اسفنديار رحيم مشائي سيغلق بهذه السهولة، لكن السؤال المحير الذي يصعب الجواب عليه: لماذا يدفع الرئيس نجاد هذه الضريبة السياسية المرتفعة من اجل شخصية مثل رحيم مشائي؟ الرئيس نجاد قال لوزرائه في اجتماع مجلس الوزراء في 22 تموز (يوليو): «ستحتاجون الى سنوات لتستطيعوا الوصول الى المستوى الذي وصل اليه رحيم مشائي»، فأجابه وزير الاستخبارات محسن ايجئي: «ومن قال لك إننا نريد الوصول الى مستوى رحيم مشائي»؟... واقعة تدل على عمق اعتقاد الرئيس نجاد برحيم مشائي، الا انها تسببت في اقالة وزير الاستخبارات من منصبه في احرج الظروف التي تمر بها ايران! وكادت تتسبب في ازمة دستورية لولا تدخل «عقلاء القوم». وفي مراسم توديع مشائي من مؤسسة التراث والسياحة بعد ان عيّنه الرئيس نائباً له في رئاسة الجمهورية، قال نجاد: «انه من عظيم النعم الإلهية التي منّ الله بها عليّ، ومن دواعي الفخر لي انني تعرفت الى رحيم مشائي، هذا الانسان الكبير والأخ الطاهر والمؤمن، الذي يشبه زلال الينابيع التي لا تعرف حتى قطرة واحدة من الغش والرياء. اتمنى ان اكون مثله، ولا استطيع معرفة سبب المعارضة التي يواجهها. ان معرفته وثقافته الانسانيه الاصيلة التي تبني الانسان تفوق كل التصورات لتنتشر في آفاق خاصة. ويسألني البعض لماذا كل هذا الإطراء والقرب من رحيم مشائي؟ اقول، في جوابي ألف دليل ودليل! وأحد هذه الادلة انكم عندما تجلسون وتتحدثون اليه تشعرون بأنكم تتحدثون الى أنفسكم، من دون حواجز، انه مثل المرآة الصافية». هذه باختصار شديد اهمية رحيم مشائي بالنسبة الى احمدي نجاد التي وضعته في دائرة مواجهة مرشد الجمهورية الاسلامية، وهي خطيئة تطيح اكبر رأس في ايران، لكن، يبدو أن أموراً تجعل الرئيس نجاد يتمسك بمشائي، أهم، وأفضل، وأقرب الى الله من التمسك ب «ولاية الفقية»! رحيم مشائي، شاب وسيم أنيق من مواليد مدينة رامسر، اجمل المدن الايرانية على الساحل الجنوبي لبحر قزوين، حصل على البكالوريوس في الهندسة الالكترونية من جامعة اصفهان، اهتم بقراءة القرآن الكريم منذ ان كان في المراحل الابتدائية، اضافة الى ولعه بمدح «اهل البيت» في الهيئات الحسينية التي كان يرتادها. لم يكن بلغ الثمانية عشرة بعد عندما انفجرت الثورة الاسلامية بقيادة الزعيم الراحل الإمام الخميني، حيث انخرط في الثورة محرضاً على نظام الشاه، ينتقل بين هذه القرية وتلك، حتى لمع اسمه خطيباً في مدينته. ترك الدراسة بسبب ظروف الثورة، لكنه عاد مرة اخرى الى الجامعة لينهي دراستة الجامعية مثله مثل صديقه الرئيس نجاد. بدايته الثورية كانت في صفوف قوات الحرس الثوري في مدينة رامسر، وتحديداً في قسم الاستخبارات التابع لهذه القوات، وعندما تصاعدت الاضطرابات في المناطق الكردية من ايران 1979 - 1982 عيّن معاوناً لقسم الاستخبارات في مقر «حمزة سيد الشهداء» الخاص بنشاطات المتمردين الاكراد، وفي الوقت نفسه اصبح عضواً في اللجنة الخاصة لتأمين احتياجات المواطنين في محافظة اذربيجان، وهناك تعرف رحيم مشائي الى احمدي نجاد عندما كان الاخير قائمقاماً لمدينة خوي التابعة للمحافظة المذكورة. عمل في وزارة الاستخبارات بعد تأسيسها عام 1984 كمسؤول عن وضع «استراتيجية الوزارة للتعامل مع الاكراد الايرانيين»، ويعتبر من مؤسسي «مؤسسة الدراسات الوطنية» التابعة لوزارة الاستخبارات التي تعنى بالقوميات الايرانية، ومن ثم عمل مديراً لاذاعة طهران قبل ان يستدعيه احمدي نجاد ليسلمه ادارة القسم الثقافي في بلدية طهران عندما انتخب نجاد رئيساً لهذه البلدية عام 2003. وعندما فاز احمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الايرانية عام 2005 عيّن رحيم مشائي مساعداً لرئيس الجمهورية ومديراً لمؤسسة التراث والسياحة والصناعات اليدوية، لكنه في حقيقة الامر كان مستشاراً للرئيس نجاد، بل اكثر من ذلك كان ضمن الحلقة الخاصة التي تحيط بالرئيس نجاد، فرافقه في معظم زياراته خارج ايران، وترسخت علاقات الرجلين عندما تزوج ابن احمدي نجاد من كريمة رحيم مشائي في حفلة اقتصرت على العائليتن في دارة الرئيس نجاد عام 2007. وعلى رغم غموض شخصية رحيم مشائي - ربما لخلفيتها الاستخبارية - وعدم وجود الكثير من المعلومات عن خلفيته الفكرية والسياسية، الا انه كان المسؤول الاكثر جدلاً في حكومة نجاد الاولى بسبب مواقفه السياسية والاجتماعية والدينية. سمح مشائي لصحافية تركية اجرت معه لقاء في مكتبه الخاص بنزع حجابها «لأن هنا ايران وهنا توجد الحرية»، لافتاً الى ان «المرحلة الاسلامية انتهت... وأن الانسان يتقدم بسرعة ويزداد تنوراً ليصل الى بعض الحقائق التي لا تفرض عليه حتمية العبور عبر النظرية الاسلامية». هذه التصريحات وإن كذبها مشائي في ما بعد، الا انها كانت البداية في تبلور المعارضة ضده في المؤسستين الدينية والسياسية، وما زاد الطين بلّة اعتباره «الشعب الاسرائيلي صديقاً للشعب الايراني»، بل اكثر من ذلك اصراره في ما بعد على هذا الموقف، مؤكداً: «للمرة الالف اقول ان الشعب الاسرائيلي صديق للشعب الايراني»، وهذا اثار حفيظة مراجع الدين والبرلمانيين الذين كتبوا رسالة وقعها 200 عضو من مجلس الشورى رفعوها الى الرئيس احمدي نجاد، لكن نجاد لم يحرك ساكناً وأبقى مشائي في منصبه من دون اي توضيح حول الموقف من هذه التصريحات وما اذا كانت تعبر عن رأي الرئاسة الايرانية ام لا؟ وهذا دفع مرشد الجمهورية الاسلاميه آية الله علي خامنئي الى حسم الامر، بالهجوم على الشعب الاسرائيلي، معتبراً أنه شعب مرتزق وجيش احتياطي للجيش الاسرائيلي وغاصب للأراضي الفلسطينية، داعياً الى اغلاق الملف، الامر الذي اضطر رحيم مشائي للاعتذار من المرشد عن تصريحاته. وخلال حفلة في اسطنبول في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 لوزراء السياحة في الدول الاسلامية، شارك رحيم مشائي في «مشهد راقص» لفرقة موسيقية، وهذا من المحرّمات على المسؤوليين الايرانيين، وعندما انكر مشاركته تلك، وزعت اوساط برلمانية محافظة فيلم الحفلة عبر الهواتف المحمولة، وهو يجلس امام الراقصات، كما ارسلوا الفيلم الى مراجع الدين في مدينة قم، مما اثار غضب المؤسسة الدينية كون رحيم مشائي من المقربين الى الرئيس نجاد. اعترضت المراجع الدينية في قم في 12 تشرين الثاني 2008 على احتفال اقامته مؤسسة التراث والسياحة الايرانية في طهران عندما حملت فتيات يلبسن الازياء التقليدية «القرآن الكريم» وسط اخريات يضربن بالدفوف حتى وصلن به الى قارئ القرآن، وعندما انتهى القارئ من تلاوته، عادت الفتيات بالطريقة ذاتها لارجاع المصحف الكريم. وأعرب آية الله ناصر مكارم شيرازي عن استيائه الشديد من هذا الحادث معتبراً «ما يجري في الجمهورية الاسلامية اسوأ مما كان يجري في عهد الشاه». واللافت في هذه الاعتراضات انها كانت تصدر من الاوساط الاصولية المحافظة القريبة والمؤيدة للرئيس احمدي نجاد، في حين لم يصدر اي تعقيب او رد فعل من نجاد نفسه حيال مواقف رحيم مشائي، وكأن تبريرات مشائي كانت كافية لاقناع الرئيس ب «حسن النية»، في الوقت الذي اعتبره الآخرون «انحرافاً في العقائد الاسلامية والدينية».