أخلفت قناة «ميدي 1تي في» المغربية الموعد مع مشاهديها، ليل الثلثاء الماضي، حين تراجعت عن بث حلقة من البرنامج الوثائقي «المحققون»، والتي كان مقرراً لها كموضوع: «الإسلاميون من السرية إلى السلطة». واستعاضت القناة عن الحلقة المبرمجة بحلقة من الأرشيف، من دون إبلاغ المشاهدين عن دواعي عدم البث، رغم الوصلات الدعائية المتكررة التي بثتها قبل أيام عن الحلقة، بل وقبل ساعات من موعد البث. وخلّف هذا الحجب استغراباً وامتعاضاً من المشاهدين والمشاركين في الحلقة على حد سواء. وقد جاء الامتعاض مبطناً من معد البرنامج نفسه، في تدوينة على موقع «فايسبوك»، قدم فيها اعتذاراً عن عدم بث الحلقة «لكل من جلس قبالة جهاز التلفاز، مترقباً متابعة الحلقة فتفاجأ ببث حلقة أخرى، وأيضاً للمشاركين الذين ساهموا بمداخلاتهم في الحلقة. المعذرة للمشاهدين». وكان مقرراً أن يشارك في الحلقة المحجوية العديد من القيادات الإسلامية المغربية، مثل نائب الأمين العام ل «حزب النهضة والفضيلة» محمد عبد الوهاب رفيقي والرئيس السابق لحركة «التوحيد والإصلاح» أحمد الريسوني والداعية الإسلامي محمد الفزازي، فضلاً عن شخصيات أخرى مثل المنسق الوطني لحركة «ضمير» صلاح الوديع، والقيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الحميد لجماهري، إضافة إلى اختصاصيين في تاريخ الحركات الإسلامية. ورجحت مصادر متتبعة ان يكون المنع بسبب تمكين معدي البرنامج لجماعة «العدل والإحسان» المحظورة من مساحة وافية خلال البرنامج، في الوقت الذي رأت فيه مصادر أخرى ان السبب يكمن في حساسية بعض المواقف التي عبر عنها مشاركون في الحلقة، عرفوا بمواقفهم المعارضة للدولة. ولم تقتصر دعوات التنديد على القيادات الإسلامية، بل جاءت من قيادات علمانية وحداثية أيضاً؛ وهو ما عبر عنه صلاح الوديع، الذي كتب على صفحته على «فايسبوك»، منتقداً الحجب، ومتسائلاً: «كيف لقناة عمومية أن تتعامل بهذا الاستخفاف مع المواطنين وتغير برمجتها في آخر لحظة من دون توضيح ولا اعتذار، رغم أن القانون يلزمها ذلك، ولاسيما أن شريط الإعلان عن البرنامج ظل يذاع خلال أيام وإلى مساء اليوم المقرر لبث الحلقة»؟. وسأل الوديع حكماء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وقد كان عضواً سابقاً بها، عن «المعمول في هذه النازلة»، إذ سبق وجرى مثلها قبل سنوات؛ وتلقت القناة المعنية على إثرها استفساراً وتنبيهاً في الموضوع، ليختتم قائلاً: «هذه مناسبة أخرى نتأكد فيها أن إعلامنا العمومي في حاجة إلى مراجعة جذرية لا تبقي ولا تذر، أما وضع كهذا فهو سبة في وجه الجميع». الأكيد أن حجب حلقة برنامج «المحققون» من طرف «الرقيب» يطرح أكثر من علامة استفهام حول استقلالية الإعلام العمومي، ويجعل كل الحديث عن مهنية القناة على محك، بل يجعل مسؤولي القناة في موقف لا يحسدون عليه، كما أنه يعيد إلى الأذهان تجارب ماضية في القنوات العمومية الأخرى التي ظلت خاضعة لمقص الرقيب، في ضرب صارخ للتعددية في الآراء، وللمهنية في التناول، وفي استهتار بالمشاهدين وبحقهم في إعلام حر، مستقل ونزيه.