احتجت إلى تجديد جواز سفري لارتباطي بموعد سفر مهم، وهو أمر لا يمكن أن أنجزه بنفسي، إلا بصك شرعي يثبت أن لا «ولي أمر» لي! اتصلت «بالمعقب» الذي يحمل وكالة شرعية من «ولي أمري» لتخليص أمور سفري وبعد وعود بأنه سينهي المعاملة، اختفى. لجأت إلى «المعقب» الآخر، الذي يحمل وكالة ثانية من « ولي أمري» تحسباً لأي طارئ، فعرفت أنه انتقل إلى رحمة الله! لم يجدد جواز السفر، وبالتالي لم أحصل على خطاب تعريف من العمل برقم الجواز الجديد، ولم أستطيع أن أتقدم بطلب تأشيرة الزيارة من سفارة الدولة التي سأزورها. باغت «ولي أمري» عند عودته من رحلة عمل بأن عليه أن يتفرغ لنهارين كاملين لينهي الموضوع. ويوم كتابة هذه السطور حصلت على الجواز، ولم يبق إلا خمسة أيام على موعد السفر وما زلت بحاجة إلى تأشيرة الزيارة. رغم استيائي من عجزي لعدم تمكني من تجديد جواز سفري كمواطنة راشدة تحمل هوية وطنية، إلا أني على يقين بأني لم أختبر يوماً معاناة الكثيرات مع شروط السفر الخاصة بالنساء. فهذه طبيبة تحرم من العودة إلى وطنها لسنوات بعد اختلافها مع زوجها أثناء الدراسة في الخارج حتى لا يمنعها من السفر، وأخرى يساومها شقيقها على مبلغ مالي ضخم ليسمح لها بالسفر، وتلك يخفي طليقها جواز سفرها فلا تتمكن من استخراج غيره. قصص نشرتها «الحياة» في تحقيق عن تحول جواز السفر والتصريح إلى أدوات تسلطية بين يدي «ولي الأمر»،(7/10/2012). وهناك العديد من الحكايات المضحكة المبكِية، فقريبتي السبعينية رفض موظف الجوازات السماح لها بالسفر لأنها لا تحمل تصريحاً من زوجها «المتوفى»، ودخلت في تعقيدات عدة لتثبت أن لا ولي لها! يشاع بأن الأنظمة تسمح لمن تعدت 45عاماً بالسفر بلا تصريح، ولكن يبدو أن الأمر غير مفعل. المادة الخامسة من اللائحة التنفيذية لنظام وثائق السفر الصادرة عام 1422ه، ما زالت تشترط حضور صاحب الطلب للحصول على جواز السفر أو «ولي الأمر» للنساء والأبناء القصر رغم توافر الأقسام النسائية. وتعرف المادة (19) جواز السفر بأنه وثيقة شخصية أمنية مهمة تمنح لكل مواطن بموجب بطاقة الأحوال المدنية ويلزم مراجعة صاحب الجواز دون سواه وولي الأمر بالنسبة للنساء والأبناء دون سن 21عاماً. ولو نظرنا إلى بنود اللائحة بشكل عام سنجد أن شروط النساء تندرج مع الأبناء القصر، إلا أن المادة (28) سمحت بسفرهن وفقاً للتعليمات «المرعية». هذه الإجراءات لا تترجم مبدأ العدل والمساواة. فهي لا تميز بين المرأة والرجل فحسب، بل يمكن أن تُعرض المرأة لمختلف أنواع الظلم والابتزاز بسبب سلطة مطلقة «لولي الأمر» تمكنه من الاستبداد متى أراد، وترهق أولياء أمور آخرين لديهم قناعات مختلفة في ما يتعلق بحقوق النساء، كما أنها لا تعالج قضية محرم السفر التي هي محل اختلاف! هناك شريحة اجتماعية تتعامل مع المرأة من منطلق الشك وتفرض عليها كل القيود الممكنة التي تضمن حسن سيرها وسلوكها، وهناك شريحة أخرى لها توجهات مختلفة في تنشئة الفتيات والتعامل مع النساء وحقوقهن. فالمطارات تودع المسافرات من السعوديات سواء في الداخل أو الخارج دون محرم؟ وهو ما يجعل من هذه الإجراءات شكلية، ولكنها تتسبب في التعدي على حقوق النساء في كثير من الأحيان. فلماذا تمنع المرأة من الحصول على جواز سفر إن كانت لا يمكن أن تسافر إلا بتصريح؟ ولماذا يكون التصريح إلزامياً؟ ألا يمكن أن توجد آليه تخدم شرائح المجتمع المختلفة، وتخفض حجم الضرر الذي يقع من جراء هذه الإجراءات، بأن يكون السماح بالسفر هو المعمول به؟ أشهر قليلة وتكون المرأة على مقعد الشورى تناقش قضايا الوطن وهي لا تملك أن تستقل بإجراءات سفرها! [email protected] DaliaGazzaz@