العاملون الأميركيون الذين خسروا مرافق عملهم منذ تشرين الثاني 2008، وظهور أعراض الأزمة الاقتصادية، 80 في المئة منهم من الرجال أو الذكور، على ما أعلن المكتب الأميركي لإحصاءات العمل. والحال بأوروبا تشبه، من هذا الوجه، الحال بأميركا. وعليه، تعاظم عدد الرجال البطالين أو العاطلين من العمل في الأشهر العشرة الأخيرة 7 ملايين. فالأزمة أصابت، أول ما أصابت، قطاعات اقتصادية يغلب الرجال على عمالتها وإدارتها، مثل البناء والصناعات الثقيلة، على حين تغلب النساء على مرافق القطاع العام والنظام الصحي والتعليم. وقد تصيب البطالة، في أواخر 2009، 28 مليون رجل. وأدت العولمة، على تقدير آلان بلايندر من جامعة برينستون، الى انتقال 28 الى 42 مليون وحدة عمل أو وظيفة من السوق الأميركية الداخلية الى خارج السوق هذه. وفي الأثناء، لقاء خريجين جامعيين (ذكرين) تتخرج ثلاث نساء أو فتيات. وتتفوق النساء على الرجال في تحصيل المزايا العلمية التي يحتاجها اقتصاد المعرفة. وهو الاقتصاد الذي يعول عليه في سبيل الخروج من الركود، واستئناف الازدهار. وتذهب دورية «أميركان جورنال أوف بابليك هيلث» الى ان ذيول البطالة، المالية والنفسية، أشد وطأة وثقلاً على الرجال منها على النساء. ويدعو هذا الى توقع انتشار التعاسة في صفوف الرجال المصابين بالبطالة والكساد والتخلف عن اكتساب المؤهلات الجديدة. وربما بدأت اعراض الأزمة السياسية والانتخابية في الظهور، في أعقاب الازمة الاقتصادية. فانهيار اقتصاد إيسلندا حمل الناخبين على إطاحة النخبة السياسية، ومعظمها من الرجال، وتحميلها المسؤولية عن الأزمة، أولاً، ثم حملهم على انتخاب رئيسة وزراء امرأة مثلية. وتعزو مديرة أحد المصارف الإيسلندية القليلة التي لم تخنقها الأزمة، مشكلة المصارف الى «منافسة شرسة» تغذيها ذكورية المديرين والمسؤولين. واقتفت ليتوانيا، الجمهورية الصغيرة والمثقلة بالديون، اثر إيسلندا. فنصبت داليا غريبوسكايتي، المديرة الاقتصادية المجربة والماهرة وحزام الكاراتيه الأسود (أرفع رتب المصارعة هذه)، رئيسة على الليتوانيين. وأسهم حلف المصرفيين والحكام، ويسيطر الاعتداد المفرط بالنفس على النافذين في المضمارين هذين، في انفجار الازمة. وسوق العقارات السكنية كانت بؤرة الانفجار. ومرد الأمر الى تضاؤل إمكانات رجال الطبقة العاملة وترديها. وكان علاج التردي تعمد افتعال ازدهار في قطاع البناء أدى، بدوره، الى استحداث وظائف عالية الأجور، ومتدنية الكفاءة، تعود حكماً الى الرجال. فهؤلاء يستحوذون على 97.5 في المئة من عمالة القطاع. ويبلغ المرتب الاسبوعي المتوسط فيه 814 دولاراً. ويبلغ المرتب الأسبوعي المتوسط في قطاع الرعاية الصحية 510 دولارات. وهو قطاع يغلب عليه عمل النساء. ونجم عن ازدهار قطاع البناء السكني المفرط والمفتعل استحداث ما لا يقل عن 3 ملايين وحدة عمل. وتتصل بالقطاع قطاعات قريبة مثل العقارات والاسمنت والشاحنات والهندسة المدنية. وعادت حركة القطاعات هذه على العاملين فيها بعمل ثابت ومداخيل مجزية. والحق أن كبح الازدهار المصطنع كان ليكون سياسية يتوقع أن تلقى جزاء قاسياً، وسقوطاً انتخابياً مدوياً. وتذهب المؤرخة غويندلين مينك الى ان الإفراط في الاستثمار العقاري ليس إلا الفصل الأخير من فصول نهج اقتصادي تعمد تقديم النازع الذكوري. وتعود فصول هذا النهج الأولى الى سياسة الرئيس الديموقراطي روزفلت، وعلاجه الكساد الكبير في اواخر عشرينات القرن الماضي وأوائل ثلاثيناته. ورمت الأزمة 15 مليون أميركي بالبطالة. وكانت نسبة الذكور فيهم 75 في المئة. فترتب على البطالة إضعاف مكانة الرجل، واضطلاعه بإعالة الأسرة. ولعل السعي في تجديد مكانة الرجل معيلاً للأسرة عامل من عوامل نهج روزفلت وخطته الاقتصادية. فالخطة قدمت أعمال الرجال على مرافق العمل المشتركة، ودعت النساء الى البقاء في بيوتهن، ورفعت قدر الرجال الذين لا تعمل نساؤهن. وغداة الحرب، كانت غلبة العائلات الصغيرة والقليلة العدد من ثمرات هذه السياسة. فكرست أدوار الجنسين التقليدية. وناطت النفوذ الاقتصادي والاجتماعي بالذكور، وطمأنت النساء على أمنهن وإعالتهن. والخطة الاقتصادية الجديدة لا تشبه القديمة. وعلى رغم الاستثمارات المزمعة في الأبنية والإنشاءات التحتية، وفي خطوط القطارات السريعة، فالاستثمارات في التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية الأخرى هي الراجحة. والنساء يبلغن 75 في المئة من العاملين في قطاع الصحة وفروعه. وانتبه باراك أوباما الى الأمر، فقال ان النساء يتولين منذ اليوم إعالة الأسر على قدر الرجال وقد يفقن الرجال مسؤولية، وتلازم أوقات البطالة المديدة آفات اجتماعية مثل الإفراط في تناول الكحول، والانصراف عن الزواج والاستقرار والانضباط العائليين. وعلى أنقاض المدن والمناطق الصناعية المتداعية، بوسط أميركا أو في المدن السوفياتية السابقة او في الشرق الأوسط، تنمو شخصية ذكورية عنيفة الطباع وحادة المزاج. والرجال في حيرة من أمرهم: فإما القبول بالنساء شريكات على قدم المساواة، والتخلي عن قيم الذكورة المفرطة، واختبار نموذج جديد للذكورة، وإما مقاومة التغير بفظاظة كتلك التي تسود أفعال المطالبين الروس بالعودة الى عهد البوليس السياسي السوفياتي، أو الجهاديين الثائرين لكرامتهم الجريح. وقد ينقسم العالم الى غرب يماشي التغير، على مضض أحياناً، وشرق تخدم فيه السلطة امتيازات الذكورة القديمة والقاسية. وروسيا بوتين والصين مثالان على غلبة النازع الذكوري على الاقتصاد. فمداخيل عمل النساء في روسيا تبلغ نصف مداخيل عمل الرجال. وخطة التحفيز الصينية تراعي في المرتبة الأولى مصالح 230 مليون عامل نازح، ثلثاهم من الرجال. وتخشى القيادة الشيوعية انخراط هذه الكتلة في الاضطرابات الاجتماعية والمطالبة الاجتماعية إذا لم تلق منفذاً الى العمل في الاقتصاد الصناعي التقليدي. والحق ان ما تكشف عنه الأزمة هو تلازم المنافسة الذكورية، والمديونية غير المقيدة، والأدوات المالية الغامضة، والرأسمالية المنفلتة من عقالها. وعلاقات الميادين هذه بعضها ببعض هي جبهات نزاع عريض طرفاه الجنسان، ويخلف صراع الأيديولوجيات والحضارات والاستراتيجيات. * عضو في مؤسسة «نيو أميركا»، عن «فورين بوليسي» الأميركية، 7 - 8/ 2009، إعداد وضاح شرارة