استحوذت قضية ترشيد دعم الطاقة في مصر والنقص في الكهرباء والديزل والبنزين وزيادة أسعارها، على حيّز واسع من المناقشات في مؤتمر «يورومني» في القاهرة. وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، أن أسعار الغاز الطبيعي والبوتاغاز ارتفعت بنسبة 74.8 في المئة في أيلول (سبتمبر) الماضي مقارنة بالشهر ذاته من عام 2011، نتيجة الزيادة في أسعار قارورة الغاز بنسبة 82.5 في المئة ومعدل التضخم 1.5 في المئة الشهر الماضي». وتشهد السوق نقصاً حاداً في كميات الوقود الموردة إلى محطات المحروقات من جانب شركات التوزيع التابعة لوزارة البترول. وأعلن وزير البترول والثروة المعدنية أسامة كمال، أن الحكومة «تنوي زيادة الأسعار والاتجاه إلى صرف نحو 150 ليتراً من مادة البنزين للأسرة شهرياً بالسعر المدعوم، وصرف 900 ليتر ديزل لسائقي سيارات الأجرة». ولفت إلى أن آلية الصرف «ستكون باستخدام «البطاقة الذكية» التي يصعب تزويرها، وسيوفّر هذا النظام مبلغ 25 بليون جنيه سنوياً من مخصصات الدعم». وعن التحديات التي تواجهها الحكومة المصرية، اعتبر رئيسها هشام قنديل أن «أبرزها يتمثل بالعجز في الميزان التجاري، إذ نعمل على استعادة الاستثمار ومناقشة مكافحة الفساد واستعادة حقوق الدولة». وقال: «إذا كنا سنتخذ إجراءات فسيتحملها القادرون». وكشف عن الاتجاه إلى «اعتماد الضرائب التصاعدية على أسعار الكهرباء والطاقة في شكل تدريجي»، مؤكداً أن «ترشيد النفقات لن يكون على حساب الفقراء». وشدد على أن الهدف «ألا يظل الفقير فقيراً، وسيتم ترشيد الدعم وليس رفعه». ورأى أن الغاز الموجود حالياً «لا يكفي حاجاتنا ومصر غنية بمواردها، لكن لا يوجد ترشيد ولا بدّ أن يعلم الناس الحقيقة حتى لا يُرفع سقف التوقعات». وأعلن أن الحكومة «تستهدف نمواً نسبته 7 في المئة في السنوات الخمس المقبلة»، مشيراً إلى أن «الدين العام بلغ نحو 1.2 تريليون جنيه مشكلاً 85 في المئة من الناتج المحلي، منها 75 في المئة دين محلي، و10 في المئة خارجي». وعن حجم الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي، قدر سفير الاتحاد الأوروبي في مصر جيمس موران، قيمتها ب «نحو 11 بليون دولار»، معتبراً أن هذا الحجم من الاتفاقات «مناسب جداً». ولفت موران خلال مشاركته في مؤتمر «يورومني، إلى وجود مشاريع بين مصر والاتحاد، في مجالات السكك الحديد أو التجارة والزراعة، إضافة إلى مشاريع ائتمانية». وأعلن أن الاتحاد الأوروبي «يعتزم التعاون المشترك في المجال الاقتصادي في مصر، سواء بمساعدة الجانب الحكومي، والقطاعين العام أو الخاص». واعتبر موران، أن الفترة التي قضاها في مصر (نحو سبعة شهور)، «شهدت تقلبات كثيرة»، لكن أكد أن الاتجاه العام «إيجابي وواعد». ولم ينكر وجود «تحديات تواجهها مصر في المجالين السياسي والاقتصادي». وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي «يشهد حالياً تيارات كثيرة تبحث في أوضاع دول الربيع العربي ومستقبل العلاقات معها في مقدمها مصر». وعن دور الاتحاد الأوروبي اقتصادياً في مصر، أوضح موران أن لدى الاتحاد «اتجاهاً محدداً وسياسة عامة يتبناها»، مذكراً باتفاق التفاهم عام 2004 المتعلق بالتبادل التجاري والذي تضاعف عامي 2006 و2007»، ملاحظاً ارتفاعاً في نسبته حتى خلال الثورة». فرص استثمار وعلى هامش مؤتمر «يورومني»، طالب خبراء مصرفيون ومستثمرون مصريون وأجانب في ندوة حول دور المصارف والتمويل في الاقتصاد المصري، بضرورة الاستفادة من الفرص الاستثمارية الضخمة التي يتميز بها الاقتصاد المصري بعد «ثورة 25 يناير»، خصوصاً في القطاعات الإنتاجية التي «تساهم في خروج مصر من أزمتها الاقتصادية». ودعا رئيس مصرف «التعمير والإسكان» فتحي السباعي، إلى «التعاون بين الجهاز المصرفي والحكومة لوضع خطط متكاملة للوصول إلى الأهداف المنشودة وتحقيق معدلات النمو المستهدفة». وأكد وكيل المصرف المركزي المصري لقطاع الاستثمار والعلاقات الدولية نضال عسر، «عدم تدخل المصرف المركزي في شكل متعمد في تحديد قيمة الجنيه». واعتبر أن مصر «لا تزال سوقاً ناشئة، ما دفع القيّمين على المصرف المركزي إلى وضع سيناريوهات للتعامل مع الأزمات المحتملة، ما انعكس على نجاح المصرف المركزي في مواجهة التحديات التي شهدها الاقتصاد العالمي». ولفت إلى أن «رؤية المستثمرين، وخصوصاً الأجانب، باتت أكثر وضوحاً وإيجابية، بعدما أبدوا مخاوف، وذلك بعد استقرار الأوضاع». وأعلنت وكيلة محافظ المصرف المركزي المصري رانيا النشار، أن الشريحة الثانية من الوديعة القطرية المقدرة ب 500 مليون دولار، «ستنعكس على الاحتياط النقدي في مصر نهاية هذا الشهر». ولفتت إلى أن «الوديعة التركية المقدرة ببليون دولار ستصل إلى المصرف المركزي على مرحلتين الأولى بقيمة 500 مليون دولار نهاية هذا الشهر، والدفعة الثانية في كانون الثاني (يناير) عام 2013». وعن وضع الجنيه المصري، رأت مديرة البحوث وكبيرة الاقتصاديين لدى «باركليز كابيتال» علياء المبيض، في مقابلة أجرتها معها وكالة «رويترز» على هامش مؤتمر «يورومني»، أن الخوف من تدهور قيمة الجنيه المصري يمثل «جزءاً أساسياً من شعور المستثمرين»، لكن استبعدت «انخفاضه أكثر من خمسة في المئة على مدى عام». ولم يتراجع الجنيه المصري إلا 4.5 في المئة فقط أمام الدولار الأميركي منذ الانتفاضة الشعبية، مدعوماً من البنك المركزي، الذي أنفق أكثر من نصف الاحتياط الأجنبي لحمايته. ولفتت المبيض إلى أن «خفض الفائدة على الأذون والسندات السيادية لمصر أمر ضروري، وهذا يتطلب خفض العجز». وتوقعت أن «تحقق مصر نمواً اقتصادياً يتراوح بين 3.5 و4 في المئة في السنة المالية الجارية».