سألت مصادر وزارية ونيابية لبنانية عن الأسباب الكامنة وراء الخطوة الارتجالية غير المدروسة التي أقدم عليها مجلس الوزراء بإقرار سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام من دون توفير الإيرادات المالية لتغطية النفقات المترتبة عليها. وقالت: «لماذا حشرت الحكومة نفسها وأقحمت البلد في مأزق طالما أن هناك مشكلة في توفير الإيرادات المالية؟». كما سألت المصادر عن مصير سلسلة الرتب والرواتب طالما ان أكثر من طرف في الحكومة سارع الى غسل يديه منها، وتبرأ من تداعياتها المالية على الاقتصاد الوطني في ظل الانكماش الاقتصادي الذي يمر فيه البلد. ولفتت الى ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان كان على حق عندما اقترح في جلسة مجلس الوزراء التي خصصت لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، خفضها ما بين 15 و20 في المئة، لأن مالية الدولة غير قادرة على تسديدها. ورأت أن من الأفضل خفضها بشكل يسمح للموظفين في القطاع العام بالإفادة منها بدلاً من أن تبقى حبراً على ورق في ظل الصرخة التي أطلقتها الهيئات الاقتصادية ورأت فيها «الوصفة» المطلوبة للتسريع في الانهيار الاقتصادي، على حد ما أبلغه رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه للنواب الأعضاء في لجنة المال والموازنة في حضور وزير المال محمد الصفدي. وذكرت بأن وزراء «جبهة النضال الوطني» برئاسة وليد جنبلاط لم يترددوا في تبني المخاوف التي عبر عنها رئيس الجمهورية في الجلسة، مع أن الوزير الصفدي انضم اليهم لاحقاً، إضافة إلى نواب «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة ميشال عون، ممثلين برئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان، الذي توافق مع تحذيرات مماثلة أطلقها النواب المنتمين الى كتلة «المستقبل» النيابية، وهذا ما سمعه منهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الاجتماع الأخير الذي ترأسه لأعضاء هيئة مكتب المجلس ورؤساء اللجان النيابية ومقرريها. وقالت المصادر نفسها إن المزايدات التي شهدتها جلسة مجلس الوزراء التي أقرت فيها سلسلة الرتب والرواتب، كانت وراء التسرع في إقرارها، وسألت هل إن «الشعبوية» كانت وراء إقرارها من دون توفير الإيرادات المالية لصرفها بذريعة أنها تخدمهم في الانتخابات النيابية المقبلة، أم أنها مطلوبة لحماية الحكومة من الداخل؟ ورأت أن معظم مصادر الإيرادات المالية التي طرحت لم تكن واقعية، وإنما وهمية، وهذا ما دفع بوزير المال الى مراجعة موقفه انطلاقاً من حجم المديونية العامة الذي يقدر بأن يصل في نهاية العام الحالي الى 58 بليون دولار، ما عدا العجز الإضافي الذي سيضاف إليها في حال تقرر صرف سلسلة الرتب من دون ضوابط اقتصادية لحماية النقد الوطني، ناهيك بأن تمويل سلسلة الرتب والرواتب إذا لم يصر إلى إعادة النظر فيها، يمكن أن يصل إلى أكثر من بليون و400 مليون دولار، وبالتالي سيؤثر في التزامات الدولة الخاصة بخدمة الدين العام، إضافة الى ان الدولة لم تتمكن حتى الساعة من تأمين الدفعة المالية الأولى لاستجرار الطاقة الكهربائية من البواخر التركية وفق الاتفاق الذي أبرم أخيراً بين الوزير جبران باسيل وممثلي هذه البواخر. وأكدت المصادر أن الدولة في حاجة الآن إلى البحث عن تأمين سلة جديدة من القروض الميسرة بفوائد متدنية، لكن ما من أحد يملك أفكاراً تتعلق بكيفية الحصول عليها، ومن أين، لا سيما أن الدولة لم تنجح حتى الآن في إيجاد إدارة مالية في ظل التضارب الحاصل في الأرقام في داخل وزارة المال، وهذا ما تبين للنواب في اجتماعات لجنة المال. التريث للتمويل وقالت إن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتريث في إحالة مشروع القانون الخاص بسلسلة الرتب والرواتب الى البرلمان، وعزت السبب الى ان هناك حاجة ماسة الى إرفاق المشروع بمشروع آخر يتعلق بتأمين الإيرادات المالية لتغطية نفقات صرفها، باعتبار ان من غير الجائز التقدم من الهيئة العامة في المجلس النيابي بطلب الموافقة على إنفاق مالي بهذا الحجم ما لم يكن مقروناً بتوفير الإيرادات له. وكشفت أن بري ليس متحمساً على الإطلاق لإحالة مشروع السلسلة من دون أن يرفق بتأمين الإيرادات المالية، وهذا ما أبلغه إلى ميقاتي، الذي عدل عن إحالته مع أنه كان صرح أخيراً بأنه لا يرى مبرراً للإضراب التي دعت إليه هيئة التنسيق النقابية طالما أن المشروع سيحال إلى البرلمان.وعزت المصادر موقف بري الى ان إحالة المشروع من دون توفير الإيرادات المالية له ستكون حافزاً للنواب للدخول في مزايدات قبل أشهر من موعد اجراء الانتخابات النيابية قد تؤدي إلى إقراره مجتزءاً ما ينعكس سلباً على الوضعين الاقتصادي والمالي. وقالت إن مجلس الوزراء سيغرق في دوامة جديدة من الاختلاف حول كيفية تمويل صرف السلسلة ... وبالتالي يعتقد رئيس المجلس أنه لا بد من تجنيب البلد أي خضة اقتصادية في الوقت الحاضر. سقف الاقتراض وفي السياق، تسلمت لجنة المال والموازنة النيابية امس من وزارة المال الحسابات المالية للهبات والقروض وسلفات الخزينة العالقة منذ العام 1993 حتى اليوم. وكانت اللجنة تابعت مناقشة موازنة العام الجاري 2012، وتحديداً البند الخامس المتعلق بالاجازة للحكومة الاقتراض، والبند السابع المتعلق بالهبات والقروض وإخضاع هذه الهبات للقوانين اللبنانية او القوانين الخارجية كما كانت مطروحة في مشروع الحكومة. وقال رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان: «استطعنا اليوم العودة الى تعديلات اللجنة في المادة الخامسة التي وضعت سقفاً للاقتراض، اذ بعد ان كنا نتحدث عن 35 في المئة من عجز الموازنة العام لتحديد عجز الخزينة، أي ما يقارب ألفين ومئة بليون ليرة، حددنا اليوم عجز الخزينة في حدود الألف بليون ليرة، وطلبنا لائحة بالألف بليون بمعنى سلفات الخزينة التي ستمولها وأصبح بالتالي على وزارة المال ان تعود فصلياً الى المجلس النيابي لتقدم تقريراً بكل ما هو متعلق بتنفيذ هذا البند». وعن الحسابات المالية التي تبلغتها اللجنة من وزارة المال قال: «سنطلع عليها ونحدد جلسة للجنة تقصي الحقائق وهي اللجنة الفرعية للحسابات المالية في الاسبوع المقبل، خصوصاً بعدما تسلمنا التقارير النهائية من الوزارة التي تشمل كل المواضيع والمسائل المتعلقة بالهبات والقروض وسلفات خزينة». وأعلن كنعان ان وزير المال محمد الصفدي «ابلغ اللجنة ان موازنة العام 2013 تبحث»، وأضاف: « لكن ليس بالوتيرة التي يفترض ان تبحث فيها بحسب استنتاجي»، وشدد على ان «أهم عمل تقوم به الحكومة درس مشروع موازنة 2013 وإرسالها قبل 15 الجاري حتى يعرف اللبنانيون إذا كانت هناك سلسلة رتب ورواتب وكيف ستمول، وما هي الاعتمادات المخصصة للجيش ولقوى الامن والبلديات والصحة. وكيف سيتم التعاطي مع عملية الاقتراض، وما هو حجم الدين والناتج».