أورد عضو مجلس الشورى حاتم العوني قول عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان: «هذا المشروع مثل جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر وفي عهد عثمان رضي الله عنهما، ومثل الخطوط التي في المساجد لتعديل الصفوف، والجواب عن ذلك أن جمع القرآن الكريم تم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أمر بكتابته كله ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد كتب القرآن كله، لكنه كتب على أشياء متفرقة عند الصحابة، والذي عمله أبو بكر رضي الله عنه هو جمع هذه المكتوبات في مكان واحد خشية أن يضيع شيء منها...». والجواب على كلام الشيخ - وفقه الله - يبدأ من معلومة يعرفها كل طالب علم، وهي أن جمع القرآن الذي قام به أبو بكر ثم عثمان - رضي الله عنهما - ليس هو مجرد كتابة القرآن التي حصلت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هناك فرقاً واضحاً بين كتابة القرآن وجمعه الذي نتحدث عنه، ولولا هذا الفرق لما قال أبو بكر - رضي الله عنه - لما عرض عليه عمر - رضي الله عنه - جمع القرآن، كما في صحيح البخاري: (كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم)!؟، ولما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه للشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (كَيفَ تَفعَلَانِ شيئاً لم يَفعَلْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم)؟!. فهذه شهادةٌ من أبي بكر ومن زيد بن ثابت، أن القرآن لم يُجمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يقول الشيخ: «إن القرآن جُمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبأمره»؟! إن كان الشيخ يقصد الكتابة دون الجمع، فليست هي مبحثنا ولا هو ما نحتج به من فعل أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وإن كان يقصد الجمع والكتابة، فأبو بكر وهو أعرف الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، خصوصاً بأمر جلل كهذا، نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله، ووافقه قارئ الصحابة زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا كان جواب عمر لأبي بكر على هذا بادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله، وما كان لعمر أن يدعي علم شيء كهذا دون أبي بكر، بل كان جوابه أن قال لأبي بكر: (هُوَ والله خَيْرٌ)، وكذلك كان جواب الشيخين لزيد: (هُوَ وَالله خَيْرٌ)، ولو كان عمر احتج بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما احتاج الأمر إلى مراجعة، ولكان يكفي أن يقول كما قال الشيخ وفقه الله: «لقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، لا كما تقول يا أبا بكر! ولقال الشيخان أبو بكر وعمر ذلك لزيد أيضاً»!! وثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يقول: (رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن)، وهذا عكس ما يقوله الشيخ أيضاً. إذاً، فأبو بكر رضي الله عنه قد فعل فعلاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بجمعه القرآن الكريم، لكنه إنما كان فعله هذا جائزاً؛ لأنه وسيلة إلى «خير» ومصلحة، وهي حفظ القرآن، وهي وسيلة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك انشرح صدر أبي بكر لجمعه، وانشرحت صدور الأمة كلها، منذ ذلك الحين إلى اليوم، لأمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. وبذلك نعلم أن جمع القرآن مثال صحيح من أصح أمثلة المصالح المرسلة التي هي من باب الوسائل، وكونها من المصالح التي لم تحصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مما نص عليه جمع من الأئمة، كشيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم، وكالإمام الشاطبي في الاعتصام والموافقات، وغيرهما من الأئمة كثير جداً، بل جمع أبي بكر للقرآن من أكثر وأصح أمثلة المصالح المرسلة التي يذكرها كثير من أهل العلم السابقين واللاحقين، حتى الشيخ محمد بن عبدالوهاب في المسائل التي لخصها (85)، ذكرها ضمن الأمور التي لم تُفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لمانع. وهكذا، هذا المشروع (السلام عليك أيها النبي)، فالعلم بسنته وسيرته صلى الله عليه وسلم وحبُّه وإجلاله صلى الله عليه وسلم، كلها أوامر حثت عليها نصوص الوحي وأصول الدين ومقاصده، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة مثل هذا المشروع ولا نهى عنه، لكنه مما يحقق الأوامر الشرعية في العلم بالسنة والسيرة، وفي إثارة محبته وتمكين إجلاله صلى الله عليه وسلم، ولا يُقام به إلا على وجه أنه وسيلة لتحقيق تلك الأوامر من دون التعبّد به هو بحد ذاته، ومن دون جَعْلِه هو غايةً للتقرب به إلى الله تعالى، بل هو مجرد وسيلة للعبادة المأمور بها، وهذا هو وجه التطابق بين هذا المشروع وما ماثله من المصالح المرسلة كجمع القرآن الكريم.