تضم المعارضة المسلحة مزيجاً من العسكريين المنشقين عن الجيش السوري النظامي والمدنيين الذين قرروا حمل السلاح في مواجهة قمع الحركة الاحتجاجية ضد نظام الرئيس بشار الاسد، ولكل واحد منهم قصته. فالانتفاضة التي تشهدها سورية قلبت حياة عدنان رأساً على عقب. اضطر هذا الشاب الحلبي البالغ من العمر 25 عاماً الى مواجهة خيار صعب، إما المعركة من اجل الحرية او حياته الشخصية. وباختياره الانضمام الى المعارضة خسر خطيبته. قال وهو يتأمل الافق: «عائلة خطيبتي مناصرة للنظام وفسخوا القران الذي عقدناه قبل سبعة اشهر». وتابع: «حاولت في البدء محادثتها لكنني اليوم احمل السلاح وأنتمي الى الجيش السوري الحر وحتى اذا ارادت العودة لي لم يعد ذلك ممكناً». اليوم بات يقاتل في صفوف المعارضة. في الطرف الآخر من خط الجبهة نزحت خطيبته وعائلتها لأنهم فضلوا المكوث في أحياء خاضعة لسلطة الجيش النظامي. اما ابو سفيان فقد انشق لينضم الى المعارضة وهو يقاتل على جبهة سيف الدولة. ويستخدم ورفاقه المتفجرات المنزلية «صنع في سورية» لالقائها على جنود «الطاغية». وقال محتجاً: «اين تركيا وقطر والسعودية عندما نحتاج الى الاسلحة؟». وهو بتسريحة شعره المرتبة وذقنه المشذبة قيادي مرموق وسط رفاق سلاحه. فعندما حان وقت مغادرة القاعدة للتوجه الى الجبهة، سار وسط المجموعة ليتقدم صفوفها. ولم يتحرك الآخرون قبل ان يبدأ هو المسير. في مدخل المدينة القديمة يرتدي هيثم بزة عسكرية طرزت على صدرها سورة قرآنية. وحمل الشاب البالغ 18 عاماً السلاح مع شقيقيه من اجل «الجهاد» ضد «الذل». وقال: «لم نشهد اي رئيس قط يفعل هذا بشعبه»، موضحاً انه يريد ان يشهد «النصر ثم العودة الى الحياة الطبيعية». وحياته الطبيعية تكمن في دكانه الصغير ومنزل والديه. على احد حواجز المعارضة اعتذر ابو اسماعيل الاسمر السحنة، بهيئته التي تنم عن فخر عند توجيه سؤال اليه وقال: «انا بدوي، لا اعرف التحدث الى الصحافيين». لكن هذا المزارع البالغ 32 عاماً هو احد الاشخاص القلائل الذين تحدثوا في شكل ملموس عن مرحلة ما بعد الاسد. وأوضح رب العائلة الذي لم ير اقاربه في الرقة شمال شرقي سورية منذ شهرين: «بعد سقوط النظام سينبغي تنظيم انتخابات حرة وضمان حصول جميع المواطنين السوريين على حق التعبير والحرية السياسية». وعلى جبهة بستان القصر في مدينة حلب في شمال سورية، ثمانية أشقاء تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة، يحاربون معاً جنباً إلى جنب في مواجهة قوات النظام، واضعين نصب أعينهم هدفاً أوحد: «الانتهاء من نظام بشار الأسد». ويقول رضا، أصغر الأشقاء الثمانية المحاربين في صفوف «الثورة» والذي بلغ الثامنة عشرة قبل أيام: «إذا قتل واحد من أشقائي أو أكثر، فسأموت إلى جانبهم. إنهم من لحمي ودمي، وسيكون شرفاً لي أن أقضي معهم وأنا أدافع عن الحرية». ويضيف: «وصلنا إلى المدينة منذ أكثر من شهر. ومنذ ذلك الحين، لا نلقي السلاح إلا في أوقات الصلاة». في الوقت الحاضر، يضع رضا جانباً أحلامه بدخول الجامعة من أجل دراسة المعلوماتية. ويقول: «الأمر الأكثر أهمية اليوم هو الانتهاء من الأسد. دروسي يمكن أن تنتظر. إن مكاننا، نحن الشباب السوري، هنا، في ساحة المعركة». وعلق شقيقه رفعت (20 سنة) بدوره دروسه الجامعية. ويقول رفعت وهو يمسك بقذيفة مضادة للدبابات: «نحن الشباب، نشكل مستقبل سورية، واليوم مستقبل سورية هو في الشارع. يفترض بنا أن نكون على مقاعد الدراسة، إنما بسبب هذا الطاغية، علينا أن نحمل السلاح. نحن نحارب لكي تتمتع الأجيال اللاحقة بمستقبل سلام وحرية». وينتقد رفعت نظرة الغرب إلى المقاتلين المعارضين. «تظنون أننا في تنظيم القاعدة، لمجرد أننا نصرخ الله أكبر. لا، نحن نؤمن بالله. هذا كل شيء. إنه العون الوحيد المتبقي لنا، والوحيد الذي سيقودنا إلى النصر». ويهتف أشقاؤه من حوله «الله أكبر». وقد غادر الأشقاء الثمانية سرمدا في محافظة إدلب (شمال غرب) قبل 17 شهراً بعد وقت قصير على بدء الحركة الاحتجاجية. ويتحدث أنس (34 سنة) عن التظاهرات السلمية التي خرجت إلى الشارع في سورية في خضم «الربيع العربي» في دول أخرى. ويروي: «أطلق الجيش النار على هذه التظاهرات. قتل بعض أعز أصدقائنا. وكان الأمن يلقي بنا في السجون تحت أي حجة». بعدها، ترك أنس محله لبيع الهواتف الخليوية وعائلته المؤلفة من زوجة «وأربع فتيات رائعات» وانضم إلى الثورة. ويقول: «يعتقد بشار أنه الملك وأننا عبيد له. إلا أن العبيد طفح كيلهم من خدمة معلمهم». ويفضل أحمد (24 سنة) التزام الصمت. يكتفي بابتسامة بين الحين والآخر، أو يتمتم شيئاً في أذن أحد أشقائه. فيتكلم رضا عنه بفخر، موضحاً أن احمد: «اعتقل في إحدى التظاهرات وألقي في السجن. ضربوه على مدى أيام ليتكلم، إلا أنه لم يقل شيئاً. عندما اتصلوا بنا لتسلمه، لم نعرفه لكثرة التشوهات التي حلت به». خلال الأشهر الماضية، تنقل الإخوة الثمانية بين النقاط الساخنة في أنحاء سورية: من حمص (وسط)، إلى إدلب، إلى حلب... ويقول عصام (26 سنة): «لن نتوقف إلا بعد سقوط النظام». ويوضح رضا أن والدهم يعلم بما يقومون به ويدعمهم، مضيفاً: «لا يخاف علينا من الموت، لأنه يعلم أن هذه هي الوسيلة الوحيدة لتحرير سورية». ويتابع: «إنه يصلّي من أجلنا، ولكي ننتصر. إذا متنا، سيفخر بنا كشهداء». في هذا الوقت، يتم استدعاء المقاتلين الثمانية، فالكتيبة التي ينتمون إليها تعد لهجوم جديد. الهدف هذه المرة مركز أمني من شأن الاستيلاء عليه أن يساعد في تعزيز الجبهة.