حولت المعارك الطاحنة بين قوات النظام والمعارضة أسواق حلب التراثية إلى كتل من النار والركام والجمر بعد قصف مُركز من الجيش لمواقع المعارضين فيها. ولم يبق، بعد معارك ليل الجمعة - السبت، أي اثر لتلك الأسواق التي وصفتها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونيسكو» بأنها «تحفة التحف»، سوى أطلال كان الدخان يتصاعد منها وسط لهيب من ألسنة النيران و «كأن هولاكو مر فيها» كما قال مراسلون شاهدوا فيلماً بثه هواة سوريون على الإنترنت عن الأسواق الأثرية. وقال شخص يدعى أحمد الحلبي في اتصال من حلب مع وكالة «أسوشيتد برس» إنها «كارثة كبرى» النيران لا تزال مشتعلة وتهدد الأسواق الباقية وضواحيها. وتمتد الأسواق على طول كيلومترات وتصل إلى قلعة حلب التي تعود إلى أيام الآراميين والسلاجقة وخضعت لصلاح الدين في القرن الثاني عشر. وتنضم «الأسواق الضحية» إلى عشرات من المواقع الأثرية والمساجد والكنائس والمتاحف التي تضررت في حلب وقبلها في حمص وحماة. وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان: «لا نعرف من أحرق الأسواق وكل ما تأكدنا منه أن ما يصل إلى 200 محل احترقت بالكامل». لكن ناشطين قالوا إن الحريق ربما بدأ جراء قصف وإطلاق نيران شرس الجمعة وأشاروا إلى أن ما بين 700 وألف متجر دمرت حتى الآن. وتعتقد «يونسكو» أن خمسة من المواقع الستة الأثرية في سورية، وبينها مدينة تدمر الصحراوية القديمة وقلعة الحصن وأجزاء من دمشق القديمة، تأثرت بالقتال. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن قوات الأسد ومقاتلي المعارضة ينحون باللائمة على بعضهم البعض في اندلاع الحريق. وشهدت حلب اشتباكات متقطعة صباح أمس في أحياء باب أنطاكية والجلوم وباب جنين ومحيط حيي الشيخ خضر وبستان الباشا وحي الميدان وحي الإذاعة الذي تعرض للقصف»، بحسب المرصد. كما وقعت «اشتباكات عنيفة في حي صلاح الدين اثر الهجوم الذي نفذه مقاتلون من الكتائب الثائرة المقاتلة على نقطة عسكرية للقوات النظامية للحي». ووقعت اشتباكات فجر أمس في أحياء الصاخور (شرق) وبستان القصر والكلاسة في جنوب غربي المدينة التي شهدت ليل الجمعة – السبت اشتباكات مع محاولة مقاتلي المعارضة التقدم على عدد من المحاور، منها الوسط حيث «دارت اشتباكات عنيفة في الأعظمية والسبع بحرات ودوار الجندول»، بحسب المرصد. وأفاد ناشطون أيضاً بوقوع اشتباكات شرسة عند باب أنطاكية وهو بوابة حجرية تؤدي إلى مدينة حلب القديمة وتقع على طرق التجارة القديمة. وقال مقاتلون من المعارضة إنهم سيطروا على البوابة إلا أن بعض المعارضين قالوا إن القتال مستمر ولم يسيطر أي من الجانبين على البوابة بعد. وقال ناشط: «لم يحقق أحد مكاسب بحق هنا... الوضع قتال وقتال وناس تهرب في فزع». وأضاف أن الجثث ملقاة في الشوارع والسكان لا يخرجون لنقلها خوفاً من القناصة. وشهدت أحياء في العاصمة السورية اشتباكات أمس، خصوصاً في جنوبها، تزامناً مع تصعيد القوات النظامية هجماتها على مناطق في ريف دمشق قريبة من شرق العاصمة، فيما شهدت أحياء عدة في حلب اشتباكات بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين أدت إلى احتراق أجزاء من سوق المدينة الذي تدرجه الأممالمتحدة على لائحة التراث العالمي. وأكد المرصد السوري أن «اشتباكات عنيفة اندلعت بين القوات النظامية ومقاتلي الكتائب الثائرة في حي العسالي» جنوبدمشق. وكان حي التضامن في جنوب العاصمة شهد أيضاً اشتباكات مماثلة صباح أمس «تبعها انتشار للقوات النظامية في الحي وحملة مداهمات». وقال عبدالرحمن إن استمرار الاشتباكات في الأحياء الجنوبية للعاصمة يدل على أن المقاتلين المعارضين «يحاولون أن يثبتوا للنظام أنهم قادرون على التحرك في دمشق على رغم الحملات الأمنية، وأن النظام غير قادر على إنهاء وجودهم». وعلى رغم إعلان القوات النظامية في تموز (يوليو) الماضي سيطرتها على مجمل أحياء العاصمة، لا يزال بعضها، خصوصاً في الجنوب، يشهد اشتباكات في جيوب مقاومة للمقاتلين المعارضين. كما شهدت الأطراف الشمالية والشرقية للعاصمة قصفاً ومداهمات نفذتها القوات النظامية، إذ تعرض حي القابون (شمال) «لحملة هدم للمنازل من قبل القوات النظامية»، التي قامت أيضاً بحملة «دهم واعتقالات عشوائية في منطقة بساتين برزة (شمال)»، بحسب المرصد الذي أشار إلى أن حي برزة شهد «حال نزوح بين الأهالي خلال الاقتحام» صباح أمس. وأشارت «الهيئة العامة للثورة السورية» إلى «اقتحام الحي بالدبابات من قبل قوات الأمن والشبيحة وكسر أقفال أحد المحال التجارية مقابل جامع السلام وسرقتها بالتزامن مع حركة نزوح للأهالي». ولفت المرصد إلى تعرض «بلدات ومدن حرستا وحوش عرب ورنكوس والغوطة الشرقية للقصف من قبل القوات النظامية» التي شنت أيضاً حملات دهم في هذه المناطق «رافقها تحليق للطيران المروحي وموجة نزوح كبيرة للسكان من المدينة». وأشار عبدالرحمن إلى أن القوات النظامية صعدت من حملتها في هذه المناطق بعدما «عزز مقاتلو الكتائب الثائرة وجودهم فيها». وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ترأست اجتماعاً مصغراً لمجموعة «أصدقاء الشعب السوري» في نيويورك الجمعة بمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي وقادة دول أخرى، فيما تقرر أن الاجتماع المقبل لمجموعة «أصدقاء الشعب السوري» سيعقد في المغرب في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وبعد الاجتماع شدد رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية حمد بن جاسم على «الإلحاح الكبير على إيجاد حل سريع لهذه القضية، وعدم الاستمرار بالوضع الحزين للشعب السوري»، مضيفاً: «أبلغنا أصدقاءنا بأنه لا بد من عمل ما يجب عمله لإنهاء هذا الوضع». وشارك رئيس «المجلس الوطني السوري» المعارض عبد الباسط سيدا في الاجتماع على رأس وفد من المعارضة السورية. ومن المقرر أن يلقي وزير الخارجية السوري وليد المعلم كلمة سورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الاثنين بعدما أجرى لقاءات ثنائية شملت وزراء خارجية روسياوإيران والجزائر. وقال وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان إن النظام السوري «فقد شرعيته بسبب ممارسته القتل والتشريد والعنف ضد شعبه»، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الإنسانية والسياسية للتوصل إلى «انتقال منظم للسلطة» في سورية. ودعا الوزير إيران، في كلمة أمام الجمعية العامة، إلى التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتبديد المخاوف والشكوك حول برنامجها النووي بما يحقق حلاً سلمياً يبعد التوتر عن المنطقة». كما طالب المجتمع الدولي بحض إيران على «التجاوب مع الدعوة إلى تسوية عادلة لقضية احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى». وقال علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الخارجية للزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي إن الرئيس بشار الأسد «سيدحر الانتفاضة عليه محققاً نصراً على الولاياتالمتحدة وحلفائها في خطوة ستكون أيضاً نصراً لإيران». ونقلت وكالة «أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية» عن ولايتي قوله: «انتصار حكومة سورية على المعارضين في الداخل وأميركا وأنصارهم الغربيين والعرب الآخرين يعد انتصاراً للجمهورية الإسلامية الإيرانية». وأضاف أن الهجمات التي شنتها المعارضة في الآونة الأخيرة لم تضعف الحكومة السورية وقال: «انتصار الحكومة السورية أكيد». وقال: «موقف الحكومة السورية مستقر وبعض التفجيرات والاغتيالات لا يمكنها أن تسقط النظام». وفي دبي بثت محطة «العربية الحدث»، أمس مجموعة جديدة من وثائق سرية مسربة. وكشفت الحلقة الأولى خبايا وأسرار إسقاط الطائرة التركية في 22 حزيران (يونيو) الماضي ومقتل طياريها الاثنين بنيران سورية خلال تواجدها فوق المياه الإقليمية على الحدود البحرية بين البلدين. وكانت الخارجية السورية قالت إن الطائرة التركية اخترقت المجال الجوي لسورية فتصدت لها المضادات الأرضية، بينما سارعت فرق الإنقاذ التركية للبحث عن جثتي الطيارين. وكشفت الوثائق أن الأوامر بإسقاط الطائرة صدرت من القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، وأن الطيارين لم يقتلا بل تم القبض عليهما حيين. وعقب ذلك أصدر الرئيس السوري أمراً بوضع الطيارين التركيين تحت تصرف فرع العمليات الخارجية، وفق بروتوكول أسرى الحرب، وذلك للحصول على أية معلومات لديهما حول ماهية دعم الحكومة التركية ل «الجيش الحر»، بحسب ما أشارت إليه الوثيقة السرية التي تحمل عنوان «تركيا... الطياران الأسيران». وفي الوثيقة نفسها أيضاً، وافق الرئيس الأسد على درس اقتراح اللواء بسام (الذي لم يتضح اسمه الثاني بالوثيقة) بنقل الطيارين التركيين إلى الأراضي اللبنانية للبقاء في عهدة «حزب الله» للاستفادة منهما في وقت لاحق. وفي الوثيقة الثالثة، كما ذكرت «العربية»، والتي تحمل في طياتها 3 نقاط مهمة أولها، أنه «وبناءً على نصائح ومعلومات من القيادة الروسية بضرورة إحراج الدولة التركية بعدما ثبت دعمها الجيش الحر، أمر الرئيس الأسد بالتخلص من الطيارين التركيين المحتجزين لدى فرع العمليات بطريقة طبيعية وإعادة جثمانيهما بعد تصفيتهما إلى مكان سقوط الطائرة في المياه الدولية». وكانت النقطة الثانية مطالبة الحكومة السورية بالإسراع إلى تقديم اعتذار رسمي للحكومة التركية عن إسقاط الطائرة لإحراج الحكومة التركية وكسب تأييد الرأي العام الدولي. وفي النقطة الثالثة، وبموازاة هذا الاعتذار، أمر الرئيس الأسد بتحريك حزب العمال الكردستاني على الحدود التركية للقيام بأعمال عسكرية ضد الجيش التركي كرسالة تحذيرية (كما يظهر بالوثيقة) للحكومة التركية بمدى خطورة الوضع في حال استمر دعمها للجيش الحر.