تمكين للتقنيات تختتم مشاركتها في ليب 2025    لا صوت يعلو في جدة على صوت المحركات    «دوران النصر» يطيح الأهلي    ألبرتو لونغو: تطور المملكة آخر 6 سنوات مذهل    البديوي: دول مجلس التعاون كانت ولا تزال داعمًا رئيسًا للشعب السوري    قسم الاعلام بجامعة الملك سعود يقيم فعالية الاعلام والحرف اليدوية،    الدفاع المدني ينبّه: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    بحضور وزير الثقافة.. تعاون مشترك بين «هيئة التراث» و«الإيسيسكو»    زيلنسكي: لن نقبل بأي مفاوضات حول أوكرانيا دون مشاركتنا    مجموعة stc تعزز ريادتها في الذكاء الاصطناعي خلال LEAP 2025 وتوقّع أكثر من 75 اتفاقية إستراتيجية    إنشاء مجلس أعمال مشترك بين المملكة ورواندا    وزير الدفاع الأميركي: لا يمكن العودة إلى حدود أوكرانيا لما قبل 2014    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق المرحلة الثانية من إستراتيجية البحث العلمي والابتكار    ديوانية القلم الذهبي تعقد أولى جلساتها النقاشية بحضور مجموعة متميزة من الأدباء والمثقفين    مدير الأمن العام يدشن مركز المراقبة الميداني بالإدارة العامة لدوريات الأمن    الأخضر السعودي يدشن مشاركته بالفوز على الأردن في كأس آسيا تحت 20 عاماً    عسير: القبض على مخالف لتهريبه 49350 قرصاً خاضعاً لتنظيم التداول الطبي    «الكرملين»: الرياض مناسبة لعقد مباحثات الرئيسين الأمريكي والروسي    بتوجيه من ولي العهد.. استحداث إدارة عامة للأمن المجتمعي ومكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص ترتبط بالأمن العام    «حرس الحدود» بعسير ينقذ مواطنيْن من الغرق أثناء ممارسة السباحة    المشهورة إيلاف الزهراني: دجال أوهمني بأن داخلي جنياً    الرئيس اللبناني: نتابع الاتصالات لإلزام إسرائيل بالانسحاب من الجنوب    أكثر من 949 مليار ريال الودائع الادخارية والزمنية بنهاية عام 2024م لتبلغ قمّتها    سعود بن نهار يطلع على أعمال فريق تهيئة وسط البلد    شراكة استراتيجية بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لدعم الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية    الإبراهيم: تريليون دولار احتياج البنية التحتية في 10 سنوات    "رمز أحمر" ب"مركزي القطيف" يخلي 10 أقسام والدفاع المدني يسيطر على الحريق    مدير عام تعليم مكة يدشّن المعرض الفني واحتفالية يوم التأسيس    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تطلق مشروع «الحي الإبداعي»    المالية وصندوق النقد الدولي يستعدان لإطلاق مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة    رئيس الوزراء المصري: نبذل جهوداً لتنفيذ بنود وقف إطلاق النار في غزة    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    تدشين الأعمال التطوعية في المسجد الحرام    انطلاق مؤتمر القصيم السابع للسكري والغدد الصماء بمشاركة نخبة من الخبراء    أمير نجران يُكرِّم مدير فرع المجاهدين بالمنطقة سابقًا    وزير الثقافة يلتقي وزيرة الفنون والثقافة والاقتصاد الإبداعي النيجيرية    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    برنامج "أمل" السعودي في سوريا.. ملحمة إنسانية ونبض حياة    نائب أمير مكة يشهد تخريج 19,712 طالباً وطالبة في جامعة المؤسس    أمير الأحساء يكرم الفائزين بجائزة تميز خدمة ضيوف الرحمن    «كلاسيكو» الخميس يجمع الأهلي بالنصر    بيلينغهام: الريال حقق فوزاً مستحقاً في ملعب السيتي    4 حالات لاسترداد قيمة حجز حجاج الداخل    السعودية" أرجوان عمار" تتوج برالي أبوظبي باها 2025    منطلق حوار للحد من تفشي الطلاق    التعاون يتعادل مع الوكرة القطري في ذهاب ثمن نهائي أبطال آسيا    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    5 خرافات عن العلاج بالإشعاع    أوبك تثبت توقعاتها حول الطلب على النفط    رئيس وزراء باكستان: المملكة صديق موثوق.. ندعم سيادتها وسلامة أراضيها    أمريكية تعتصم أمام منزل خطيبها الباكستاني    نادية العتيبي سعيدة بالتكريم    "تعليم شرق الدمام" يحتفي بالفائزين في تحدي القراءة    إعلاميو "الأوفياء" يطمئنون على الحداد    والدة إلياس في ذمة الله    تعب التعب    مملكة الأمن والأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليس دفاعاً عن «غوغل»
نشر في الحياة يوم 30 - 09 - 2012

تكاثرت الدعوات أخيراً إلى مقاطعة خدمات عملاقة الإنترنت «غوغل»، التي تملك أيضاً موقع «يوتيوب». ويستنكر مناصرو المقاطعة العقابية هذه أن الشركة الأميركية لم تستجب إلى المطالبات بحجب الفيلم المسيء للنبي محمد (وهو سخيف وبدائي ومنحط بكل المعايير قبل أن يكون مسيئاً) عن الشبكة الدولية.
بعض الداعين إلى المقاطعة حصروها في يومين اثنين، قالوا، بكثير من التفاؤل، إنها ستكبّد الشركة خسائر بمئات الملايين من الدولارات... هذا إذا قاطَع الجميع فعلاً. مواقع إلكترونية وصحف أكدت، خلال الأيام الماضية، خسارة الشركة ملايين المشاهدات وتراجعها في التصنيف العالمي إلى المرتبة الثانية، بعدما احتلّت الصدارة لسنوات، علماً إن مستخدمي الإنترنت في العالم العربي لا تتجاوز نسبتهم 10 في المئة من إجمالي جمهور الشبكة العنكبوتية حول العالم.
حتى إن نائباً مصرياً سابقاً، من «الإخوان المسلمين»، طرح المقاطعة شهراً كاملاً، حاثّاً «ملايين المُبَرمجين المسلمين» على ابتكار «محرّك بحث منافس لغوغل». وكأن أحداً لم يخبر النائب، الذي انبرى فجأة لنضال إلكتروني في تصريح يُرفع له الحاجبان وتستدير بدهشة قراءته العينان، أن المنافسين موجودون: من «ياهو» إلى «بينغ» و «فايرفوكس» وغيرها من المحرّكات وبرامج التصفّح. بل يبدو أن النائب الملتزم لم يستخدم في حياته «غوغل الإسلامي»... ولو أن أحداً لم يسمع بمن يستند، في عملية بحث بالحد الأدنى من الجدية، إلى «غوغل الإسلامي» (أو إلى «غوغل الكاثوليكي» طالما الشيء بالشيء يذكر). وهذا ما يسبغ على مبدأ حرية التعبير، الذي تعلن البيانات الرسمية ل «غوغل» تمسّكها بها، عملانية تتجاوز الكلام الجميل. فلو بدأت «فلترة» محتويات محركات البحث الإلكترونية، أياً كانت المسوغات ومن أي زاوية، فلن تنتهي بحُرّية تداول المعلومات، في مساحتها الراهنة على الأقل، إلا إلى حائط مصطنع. سيتأثر بذلك العرب كما غيرهم، أن لم يكن أكثر، وسيكون تفكيراً بعكس التاريخ. وهذا الحائط، الذي يصعب رفعه أصلاً، سيسهُل دائماً القفز فوقه بعشرات الحيل التقنية التي شهدنا أخيراً، ولا نزال، أداءها الوطني الحيّ والبهيج، في ثورات تونس ومصر والآن في سورية.
لكن، لنفترض إن المقاطعة أقلعت، وحقّقت تلك الخسائر الكبيرة فعلاً، فأي رسالة يمرّر عبرها المقاطعون؟ احتجاج سلمي؟ نعم. أفضل من العنف والقتل واضطهاد الأبرياء؟ أكيد. تُفحم المسيئين وتقدّم صورة بديلة عن المُساء إليهم؟ الأرجح أن لا، إذ تُلبسهم لبوس المناهضين للحرية بالمطلق، فيما يُقتلون من أجلها في أوطانهم. المقاطعة تبدّد الشريط كأنه لم يكن؟ بالطبع لا. سيبقى. ولعل انتشاره يتفاقم، فيما يفترض بالغيارى على المقدّسات السعي إلى محو الأثر الذي خلّفته مئات الشرائط الإخبارية والصور لتظاهرات انطلقت باسم الردّ على الإساءة... فجذّرتها في مخيلة الآخر.
حجبت «غوغل» إمكان الوصول إلى رابط الفيديو المخصص للفيلم على «يوتيوب»، في عدد من البلدان العربية والإسلامية التي صدرت فيها أحكام قضائية أو قرارات رسمية بمنعه. أي أن الشركة التزمت بالحظر المحلي، تناغماً مع المبادئ الراعية لنشاطها والتي أعلنتها عام 2007، لكن من دون أن تسمح بانسحاب الأمر على الإنترنت برمتها. بل رفضت «اقتراح» البيت الأبيض إزالة الفيلم أو إعادة النظر في ما إذا كان يناقض شروط الخدمات الخاصة ب «يوتيوب»، لأنه «لا يناقضها»، بحسب مسؤولين في الشركة. فتبدو إشكالية الحريات هنا، أقوى من الإدارة الأميركية، ومندرجة في النظام... ذاك أن «الإدارة» و «النظام» ليستا كلمتين مترادفتين في الديموقراطيات.
ثم تتبدّى الفجوة الثقافية والسياسية الهائلة. فموقع «يوتيوب» الذي كان أداة أساسية وباهرة في أيدي شباب عرب (منذ تونس وحتى آن أوان ليبيا ثم سورية)، لتنظيم أنفسهم وفضح استبداد الأنظمة واستقطاب تضامن عالمي خلال السنتين الماضيتين، تُراد به الآن مقاطعة وحجباً. هي عقلية المنع ذاتها التي عانينا منها، ولا نزال. يعاد إنتاجها، بدل التفكير في سبل تقديم صورة بديلة من إسفاف فيلم «براءة المسلمين» (أفلام، شرائط فيديو، مقالات، أعمال فنية وإبداعية...). بديل ينقضه ويقزّمه، فيدحضه ويهزمه.
هي عقلية المنع التي تُحيلنا إلى خارج العالم، وخارج منظومة قيم إنسانية لا بدّ من الاعتراف بأن للعولمة دوراً في تكريسها، وإن أُخِذ عليها الكثير مما يستوجب مناهضته ونقاشه وتدوير زواياه. وبهذا المنطق، لا يعود هناك مفرّ أمام «غوغل»، التي لا يقوى سيّد البيت الأبيض على إجبارها أن تزيل محتوى ما فيما يستطيع ذلك القانون والدستور الأميركي، إلا أن تستجيب لأكثر من نصف طلبات الإزالة التي تصلها سنوياً بالمئات، من حكومات العالم ومنظماته المدنية وبينها الأميركية، شرط أن تُثبت الشكوى تحرّشاً أو انتهاك خصوصية أو خطاب كراهية أو عنصرية أو أي تمييز بشريٍّ كان.
حتى التزام «غوغل» بالعقوبات الأميركية على النظام السوري، وبالتالي منعها تنزيل العديد من منتجاتها في سورية، استطاع ناشطون اختراقه، ولو جزئياً، بالمسألة الإنسانية والأخلاقية. فقطع الشركة الأم سُبل تنزيل متصفّح «غوغل كروم» مثلاً، دفع بالكثير من الناشطين إلى استخدام متصفّحات أخرى لا تتمتع بمواصفات «أمان» كافية، وتسمح لأجهزة النظام تعقّب حركتهم عليها، لتعتقلهم أو تقصف مناطقهم أو تلوّث بالفيروسات الإلكترونية أجهزتهم – نوافذهم شبه الوحيدة على الرأي العام العالمي. وفي أيار (مايو) الماضي، وإثر مبادرة من ناشطين سوريين في أميركا، أتاحت «غوغل» في سورية خدمات «غوغل أرض» (للصور الجغرافية) و «بيكاسا» (لتنظيم وتشارك الصور) ومتصفّح «غوغل كروم» الآمن.
احتفلت «غوغل» على صفحتها الرئيسية، خلال «أسبوع المقاطعة» ذاته، بعيد ميلادها ال14. في السنوات ال14 هذه، غيّرت الشركة ومنتجاتها الكثير في وعينا لمفهوم البحث والاتصال والمعرفة.
وفي سنة واحدة، تحوّل نصر ثقافي إيراني إلى عزلة شعب، بحضارته ومواهبه، يفرضها نظامه، لا «قوى الاستكبار والإمبريالية». فبعد فوز فيلم «انفصال» للمخرج أصغر فرهادي بأوسكار العام الماضي عن فئة أفضل فيلم أجنبي، أعلن وزير الثقافة الإيراني مقاطعة جوائز أوسكار 2013، على رغم أن الخطاب الرسمي احتفى آنذاك بالإنجاز، خصوصاً أن أحد الأفلام المنافسة كان إسرائيلياً. وأسكت نجاح الفيلم أصواتاً مُحافِظة حاولت تهشيم «انفصال» بحجّة أن القصة، المتمحورة حول زاوج يتداعى، «تسيء» إلى صورة المجتمع الإيراني الذي يريدونه أن يبقى مغلقاً كصندوق في أيديهم وحدهم مفاتيحه.
لا دفاع هنا عن «غوغل». لكنه الخوف من تعميم نموذج مسيء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.