يصعب حصر الحضارة الإسلامية التي امتدت من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ في كتاب واحد يوثّق أبرز الأحداث التي شهدتها، إلاّ أنّ المؤرّخ الفرنسي روبير مانتران خاض هذه المغامرة من خلال قاموس أصدره باللغة الفرنسية عام 1990 عن دار «لاروس» بعنوان «أهم التواريخ في الحضارة الإسلامية». واعتُبر الكتاب وقت إصداره بمثابة مرجع مهم يرصد الحضارة الإسلامية في كثير من مجالاتها كالطب والفلك والملاحة البحرية أو الشعر والفكر والتصوف أو حتى العلوم العسكرية والعمارة والريّ وغيرها. ومع أنّ النظرة الغربية تختلف في بعض تفاصيلها عن النظرة الشرقية إلى الحضارة الإسلامية، إلاّ أنّ مانتران الذي عُرف كواحد من أهمّ المؤرخين الروّاد في القرن المنصرم نجح في تقديم كتاب موثّق يربط الخبر التاريخي (من خلال تحديد دقيق للزمن) بظروفه التاريخية لجعله موفور الشرح وواضح المعالم. وهذا ما ساعد الكتاب في الانتشار السريع واعتباره كتاباً عالمياً شاملاً يدرس واحدة من أعرق الحضارات في دقائق تواريخها. وقد صدر أخيراً هذا الكتاب باللغة العربية عن دار «نوفل» بالتعاون مع «هاشيت- أنطوان» وبدعم من برنامج «أضواء على حقوق النشر»، وقدّم التحقيق والملحق التحديثي محمد ريحان. ويعرض الكتاب مقدّمة روبير مانتران (1918- 1999) التي يقول فيها إنه بعد تأكد النصر لأوروبا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لم يعد يؤخذ العالم الإسلامي بالحسبان ولم يعد يتم تناوله إلاّ في شكل مجتزأ أو منحاز لأنه يرزح تحت سيطرة الاستعمار. أمّا بالنسبة إلى فترة حياته وانتشاره وحضارته، فيعتبر مانتران أنّ قليلين هم الذين يستطيعون ذكر بضعة أحداث طبَعَته، باستثناء المستشرقين، إلاّ أنّ العالم المسلم عاد أخيراً ليحتلّ مكانة مهمة بعدما حازت بلدانه استقلالها بعد الحرب العالمية وأصبحت بعض دوله من أغنى دول العالم لامتلاكها النفط. ويُضيف: «وما لا شكّ فيه أنّ هذا الإسلام لم يظهر في الأرض فجأة. فتاريخه يمتدّ على مدى قرون، وهو على غرار أي تاريخ قد شهد فترات من العظمة وأخرى من الركود والتدهور. كما أنّه ينتشر على مساحة شاسعة إذ يمتدّ من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، من المغرب إلى أندونيسيا. وعليه، لا يُمكن التغاضي عنه في أيّ دراسة أو تحليل يتناول العالم الماضي أو الحاضر». يحتوي «أهم التواريخ في الحضارة الإسلامية» على فصول عدة تنضوي تحتها تواريخ مختلفة ومتسلسلة هي: «العالم العربي ما قبل الإسلام وظهور الإسلام»، «الأمويون: التوسع العربي- الإسلامي»، «العباسيون: الامبراطورية الإسلامية والهيمنة»، «العباسيون: زمن الانشقاقات- الشرق الأدنى والشرق الأوسط»، «الفاطميون»، «السلالات غير العربية: المرابطون والموحدون، سلاجقة الروم، الأتراك والمغول، إفريقية جنوبي الصحراء...»، «التشرذم في الغرب وإعادة التجمع في الشرق»، «الهيمنة العثمانية»، «تفكك الدولة العثمانية- الاستعمار الأوروبي»، «الهيمنة الفرنسية والبريطانية»، «الاستقلالات السياسية»، «التجذّر الإسلامي»، «العالم الإسلامي: 1990-2012». يُعرّف كتاب مانتران القارئ على أهم الأحداث والمحطات والمراحل في تاريخ الإسلام كحضارة وتاريخ الدول التي استقرّ فيها والشعوب التي اعتنقته، من خلال ترتيب زمني واضح يُسهّل على قارئ هذا الكتاب مهمة فهم التاريخ المعقد لحضارة كبيرة لعبت دوراً مهماً في تاريخ العالم.