أيام قليلة ويبدأ شهر رمضان المبارك. وشهر رمضان يعني في العرف الاجتماعي العربي، وربما الاسلامي ايضاً في شكل عام، عرض عشرات المسلسلات التلفزيونية على عشرات المحطات من أرضية وفضائية، محلية وعامة. وهي المسلسلات التي نعرف ان الفنانين والفنيين العرب قد اشتغلوا عليها طوال الشهور الماضية، ضمن وتيرة راحت تتسارع اسبوعاً بعد اسبوع، وكل فريق يمني نفسه بأن ينجز عمله في اللحظة المناسبة فينال قطعة الغاتو الخاصة به من قالب الاعلانات ونسبة المشاهدة والمكاسب المادية.. وربما بعد ذلك من الاهتمام الصحافي والنقدي، المبني على جودة ما تحقق او عدم جودته، مع ملاحظتنا ان هذا الاهتمام لم يعد. خلال السنوات الماضية، يشكل همّاً بالنسبة الى صانعي هذه الاعمال بدليل ان اي تحسن او تبدل لم يطرأ على التوجهات العامة ومستواها، بحيث اننا ان استثنينا عملاً او اثنين في كل موسم، سنجدنا امام سيرورة متدفقة لا تحمل اي جديد. لكن هذا ليس بيت قصيدنا هنا، خصوصاً اننا لا نعرف شيئاً عن نتاجات هذا العام ومستواها، باستثناء ما نقرأه في الصحف من معلومات عامة، غالباً ما تبدو متناقضة، وغالباً ما يبدو بعضها اشبه بالنصوص الترويجية، وفي هذا الاطار نعرف ان ثمة في احيان كثيرة، مكاسب تحقق من خلال لعبة الترويج هذه، من المحزن ان كتاباً كثراً يشاركون فيها ما يخلط الحابل بالنابل وعلى الاقل في انتظار عرض المسلسلات لرصد ما قد يكون ردود فعل اكثر انصافاً عليها. ولكن ليس هذا، ايضاً، بيت قصيدنا. ما نريد التساؤل عنه هنا، هو اي حصة سيحملها الينا رمضان المقبل، من برامج ومسلسلات تحاول ان تدخل العصر من باب لطيف، عبر مواضيع تستجيب الى ما جرى الحديث عنه كثيراً خلال الاعوام الثلاثة الماضية، وخصص مؤتمر ضخم رعته المملكة العربية السعودية من أجله: اي التسامح والحوار بين الأديان. يومها كانت واضحة المطالبة بأن تأخذ النتاجات التلفزيونية على عاتقها ابتكار افكار وبرامج ومسلسلات تصب في هذا الهدف، إنما من دون ان تكون هناك ادنى استجابة تخفّف من حدة الكراهيات المتبادلة وهيمنة ما يسميه أمين معلوف «الهويات القاتلة». بل بالعكس زادت الحدة وصار القتل والدمار من نصيب، ليس ابناء اديان متناحرة تقليدياً ولأسباب سياسية/ تاريخية فقط، بل بين أبناء مذاهب وأقليات في العالم العربي كان التعايش في ما بينها معقولاً لسنوات خلت. كل هذا الواقع يشكل الآن الخطر الاكبر الذي يداهم المجتمعات العربية.. وهو كان، طبعاً، في خلفية الافكار التي أدت الى ذلك التحرك الرسمي في سبيل التسامح والحوار.. فهل سنجد في الموسم الرمضاني الكريم، وهو اكثر المواسم مناسبة لمثل هذه الطروحات.. استجابة تلفزيونية أم ان الأمر سيظل مؤجلاً.. وربما حتى الرمق الأخير، حين لا تبقى اقلية دينية او عرقية قادرة على العيش في احضان الأمة، والمساهمة في عيشها وتطورها؟