سأكتفي في هذه المقالة برصد ما جاء في دراسة لباحث مصري عن «فيس بوك»، تلقيتها على بريدي قبل أيام قليلة من أحد القراء المهتمين بالتواصل الاجتماعي الإلكتروني. أعجبني وصف الباحث، لعالم «فيس بوك»، بأنه يشكل بين جيل اليوم إحدى القارات الكبرى البارزة على الشبكة الإلكترونية، منتقداً الاعتقاد السائد في بعض دول العالم الثالث بأن البحث في المجتمعات الإنترنتية نوع من الترف العلمي. يعاب على الدراسة أنها لم تحاول كثيراً تقديم ملحوظات حول ثقافة سكان عالم الإنترنت، خصوصاً عندما يتجه الشباب إلى عالم السياسة والاقتصاد فيكتشفون أنها معقدة، فتصاب رومانسيتهم بإحباط شديد، لكونهم متحمسين، لكنهم يعيشون في عالم افتراضي. تشير الدراسة، التي أجراها الباحث في قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إسلام حجازي، والصادرة عن المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية في القاهرة، (مؤسسة بحثية مستقلة غير ربحية)، إلى أن شباب «فيس بوك» في مصر نجحوا في تدشين جيل جديد وغير مألوف من منظمات المجتمع المدني في الواقع المصري، وأن هذا الجيل سيصبح قادراً على فعل ما يشاء وتغيير ما يشاء في المستقبل القريب. في الوقت الذي تنتشر فيه دعاوى بأن «فيس بوك» منصة «موسادية» لتجنيد الشباب العربي ضد حكوماتهم وأوطانهم والإخلال بأخلاقهم، تأتي هذه الدراسة لتقول إنه وسيلة جديدة لفرض الديموقراطية من جهة الذوات الافتراضية التي لا يمكن وضع اليد عليها، وذلك من خلال الالتقاء في نطاق لا يمكن محاصرته، وبناء اجتماعات ولقاءات بين جميع البلدان والثقافات والهوية حول مجموعة من القضايا والاهتمامات المشتركة التي يتبادلون فيها المعارف والآراء، ما جعل هؤلاء يعيشون جو الديموقراطية الرقمية، بحيث يمتلكون فكراً ديموقراطياً داخل بلدانهم غير الديموقراطية، ما من شأنه أن يكون حجر أساس لعدد هائل من الشباب المستعد للنزول إلى الشارع في مظاهرة أو غزو الرأي العام من خلال صفحات الإنترنت ورسائل البريد الإلكتروني. أعداد المستخدمين ل «فيس بوك» في تصاعد، بمعنى أن الضغوطات على الحكومات «المتقاعسة» ستتزايد، إذ أعلن مؤسس «فيس بوك» مارك زوكربرج، أخيراً، أن عدد المستخدمين بلغ 250 مليون شخص، معتبراً الوصول إلى هذا الرقم ليس أمراً مثيراً للإعجاب فحسب، بل إنه مؤشر على الصلات الشخصية التي عقدت بين المستخدمين. الدراسة تذهب إلى أن الواقع الافتراضي في عالم الإنترنت في مصر أصبح ظاهرة يشعر الجميع بوجودها، لكنهم لا يعرفون غالباً تعقيداتها، وتحاول الدراسة أن تطرح مرة واحدة كل الأسئلة المثارة في الفترة الأخيرة بشأن الثقافة السائدة في عالم الإنترنت. ويعتقد الباحث بان نشطاء العالم الافتراضي يمكنهم القيام بكسر معادلات المال والنفوذ التي تحكم العالم الواقعي، ولعل ذلك راجع إلى انتمائه إلى جيل كامل خلق عالماً موازياً للعالم الحقيقي. أعتقد بان أهمية الدراسة ترجع إلى أنها واحدة من أولى الدراسات حول الثقافة الافتراضية لأشخاص يعيشون عالماً، هو في نظرهم حقيقي وبديل للواقع، ولا يعرف أحد عنهم الكثير، على رغم أنهم أصبحوا يمثلون تحدياً حقيقياً يتطلب تعاملاً واقعياً عاقلاً واعياً من الدول والحكومات، لأنه في النهاية يمثل قطاعاً كبيراً من الجيل الجديد، خصوصاً بعد أن قاموا بتشكيل شبكات افتراضية، يحاولون النزول بها إلى الشارع، أو تحريكه من بعد، رغم أنهم في النهاية لا يمكن الوصول إليهم، لأنهم كائنات افتراضية. على الحكومات أن تؤمن بقدرات شباب «فيس بوك» التي لا تتعدى أسلحتهم لوحة مفاتيح كمبيوترية وكاميرا ديجتال وصفحات ومنتديات عنكبوتية مفتوحة، وعلى رغم ذلك يتمكنون من كسر سطوة المال والنفوذ وأساليب القوة التقليدية، وتجاوز الرقابة الأمنية والاستخباراتية. توقفت عند عبارات مسؤولة، يرفعها في «البروفايل» الخاص به على «فيس بوك»، وزير الثقافة والإعلام السعودي عبدالعزيز خوجة، بأن «ليس للحرية سقف نصطدم به، إنما فضاء نتقدم فيه وأمانة نتحملها»، ويبدو أن الشاعر والديبلوماسي خوجة يقترب من الشباب باعترافه بقدراتهم ويشاركهم أيضاً، بعبارته «الأجيال الحديثة كسرت إعلام النخبة وأسست إعلاماً شاباً». أجزم بأن الجيل الجديد في المجتمعات العربية سيتمكن من تغيير بعض العادات والتقاليد، وسيجبر كثيراً من الحكومات إلى تغيير بعض سياستها وقراراتها وأولوياتها بعد أن نجح شباب في شن حملات ضغط إلكترونية، خصوصاً في تلك البلدان التي لا تراعي طموحات ومعرفية هذا الجيل وتطلعاته، وتتجاهل حتى اليوم أن الجيل الجديد يتقن لغة إلكترونية سريعة الانتشار ويتعامل معها بثقة عالية ويتشاور ويتبادل الآراء مع آخرين عبر مساحات شاسعة، ويقارن بين قوانين بلدانه «غير الديموقراطية» ودول ديموقراطية متقدمة. الأكيد أنه يتوجب على الحكومات العربية التوقف عن المكابرة في التعامل مع هؤلاء الشباب وازدرائهم أو محاولة اعتقالهم طالما يعبرون بحرية مسؤولة من واقعهم الإجتماعي، فجيل اليوم ينجح بشكل سريع في تشكيل ثقافة حتى وإن كانت افتراضية، إلا أنها أصبحت مؤثرة عبر قدرته على ترتيب الأولويات والقضايا وتبادل الهموم والحلول.