قبل يوم واحد من موعد انعقاد مؤتمر «فتح» السادس المنتظر، تبدو الصورة داخل حركة «فتح» مضطربة إلى حد كبير، إضافة إلى التحديات التي تواجه الحركة من خارجها! ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تصرّ حركة «فتح» على عقد مؤتمرها السادس في ظل ظروف الانقسام الفتحاوي، الذي ربما فاق الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني؟! وإذا كان من المفهوم إغفال هذا المؤتمر لمدة عشرين عاماً، خصوصاً بعد أن تخلت القيادة السياسية للحركة عن مبدأ تحرير الأرض بالطريقة التي قامت عليها الحركة، فإن ما ليس مفهوماً هو، كيف يمكن إقناع رجل الشارع الفلسطيني بأن هدف هذا المؤتمر، هو وضع استراتيجية لتحرير الأرض الفلسطينية، خصوصاً أنه ينعقد تحت سمع الاحتلال وبصره وبتسهيلات منه؟! ليس ذلك فحسب، بل إن الحركة التي كانت في الأصل حركة «تحرير ومقاومة» واكتسبت شعبيتها على هذين الأساسين، ستجد حرجاً كبيراً في عقد مؤتمر سادس يقوم على نقض الأسس التي قامت عليها المؤتمرات الخمسة السابقة، والشعار الذي طالما تغنت به وهو: «تحرير فلسطين من النهر إلى البحر»! من يدري، فربما كان السبب الذي من أجله امتنع الزعيم الراحل ياسر عرفات عن عقد المؤتمر السادس للحركة، هو أن لا تكون الحركة - التي وضعت سلاح المقاومة بعد فترة قصيرة من انعقاد مؤتمرها الخامس - ضحية تندرات سياسية متوقعة، من نوع القول إنها غيرت شعارها من «مقاومة الاحتلال» إلى «مقاومة المقاومة»! وعلى رغم وجود إجماع فلسطيني على زعامته التاريخية ومقدرته الفائقة على الإقناع، إلا أن السيد عرفات كان يدرك حجم المشكلات المحيطة بعقد المؤتمر السادس بعد توقيع معاهدة أوسلو، لذلك ابتعد عنه بالجملة! أما إذا كانت زعامات حركة «فتح» تعتقد أن انعقاد أول مؤتمر لها، منذ عشرين عاماً، يجيء لأجل تجديد فكر وقيادة الحركة الحزبية، فهذا خطأ سياسي آخر بدت أعراضه اليوم غير خفية! ذلك أن عقد هذا المؤتمر داخل أراضي الاحتلال وتحت عناية ورعاية دولة الاحتلال، تسبب في اتهامات ضد القائمين عليه والداعين إليه من أعضاء في الحركة ذاتها! وغني عن القول إن هذه الاتهامات لا تعني بالضرورة إدانة المتهمين، لأن المتهم كما هو معلوم، بريء حتى تثبت إدانته، لكنها اتهامات جادة، أحسب أن المحامين الذين سيقومون بعبء الدفاع عن أصحابها، في وضع لا يحسدون عليه! إضافة إلى ذلك، فإن عقد هذا المؤتمر يأتي في وقت كثرت فيه الاتهامات ضد قيادات الحركة، خصوصاً ضد السيد محمود عباس، الذي يحتكر مناصب القيادة في الحركة، كونه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس حركة «فتح» (وهو أمر غير معهود في الديموقراطيات الغربية)! وتبعاً لذلك، فإن انشقاقاً كبيراً على زعامته يبدو واضحاً من داخل قيادات الحركة، حتى قبل توجيه اتهامات أمين سر الحركة السيد فاروق قدومي ضده بالتآمر على اغتيال سلفه، والتي بدأت تحظى بقبول شعبي كبير! يؤيد اتهامات «الخيانة» التي صدرت من أمين سر الحركة - حيث لا أحد أعلم منه بأسرارها - الاتهام الذي وجهه وزير شؤون القدس السابق في حكومة فياض السيد حاتم عبدالقادر، قبل أسابيع، إلى الحكومة الفلسطينية بالتهاون مع إسرائيل في سياساتها تجاه تهويد القدس، من باب «وشهد شاهد من أهلها»! هذه الأمور في مجملها تعكس إذاً انحسار شعبية حركة «فتح»، وربما من هذا الباب أرادت الحركة أن تثبت وجودها بإحياء المؤتمرات الثورية من جديد، وقد كان الأولى بها أن تتنحى عن الساحة قليلاً، أو أن تعيد إلى الشعب الفلسطيني ثقته بها، من طريق العودة إلى مرتكزاتها الأساسية! ذلك أن فلسفة استمرارية «الحزب» في المفهوم الغربي للديموقراطية، ترتكز إلى تجدد فكره السياسي - من غير التنازل عن ثوابته - وتغيير قياداته القديمة بأخرى تجلب القبول الشعبي للحزب. وإذا ما تغيرت مبادئ الحزب، فلا غرابة أن يهجره أتباعه! وإذا كانت حركة «فتح» تخشى فقد شعبيتها لمصلحة «حماس» في الداخل الفلسطيني، فربما كان عليها أن تتعلم أن الالتفات إلى «حماس» بدا كذلك من جانب الحكومات الغربية التي بدأت برلماناتها تطالب بالاعتراف ب «حماس» والحوار معها! المثير للانتباه هو أن دعوات الحوار مع «حماس» بدأت تزداد، ليس فقط من أعضاء في الكونغرس الأميركي والبرلمان البريطاني، وإنما من داخل إسرائيل ذاتها! واقع الأمر أن حركة «فتح» في حاجة إلى قرار جريء تنعى فيها الحركة نفسها إلى الأمة الفلسطينية، إذ إنها لم تعد قادرة على مواصلة مسيرة «التحرر»، وتبعاً لذلك عليها أن تسلم زمام الأمور إلى من بعدها، من باب أن «لكلّ زمان دولة ورجالاً»! * حقوقي دولي