أجرى رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» اللبناني وليد جنبلاط مراجعة سياسية نقدية للمرحلة السابقة اعلن خلالها ضرورة العودة الى اليسار وفلسطين والعروبة وقال ان «تحالفنا مع 14 آذار لا يمكن ان يستمر». وانتقد النظام الطائفي وحضور 4 رؤساء عيد الجيش، متمنياً أن «تأتي المحكمة الدولية بالحقيقة وأن تكون عنواناً للاستقرار ولا نريد ان تتحكم بها دول وجهات او تحرف منهجها الأساسي وهو العدالة» كما اعتبر الذهاب الى واشنطن كان نقطة سوداء.كلام جنبلاط جاء أثناء ترؤسه جمعية عمومية استثنائية تنظيمية للحزب التقدمي الاشتراكي في حضور477 عضواً أبرزهم وزراء الحزب ونوابه وغياب 71 عضواً. وقال جنبلاط إن «الجمعية العمومية الاستثنائية جاءت من اجل اعادة صوغ تنظيمية معينة للحزب التقدمي الاشتراكي للوصول الى صيغة سياسية جديدة من اجل تجديد اداء الحزب والانطلاق مجدداً الى حزب جديد والعودة الى الثوابت والتأكيد على الثوابت التي انطلق منها الحزب وتأسس عليها». وأضاف: «افتتحنا الجمعية العمومية من دون نشيد الحزب مجدداً، وهذه احدى الثغرات الكبرى، وهذا موضوع ننشده منذ سنوات، وكنا نتمنى لو افتتحنا الجلسة على ايقاع النشيد الأممي الذي يذكرنا بتلك الفترة المجيدة من تحالف اليسار العالمي في مواجهة الأمبريالية والرجعية الأميركية والعربية والعالمية. وفي انتظار النشيد في يوم ما افتتحنا الجلسة فقط بالتحية الحزبية». واستعرض بعض المحطات التي خاضها الحزب التقدمي، بدءاً من رفض حلف بغداد والمشاركة في ثورة 1958 مروراً بتأييد وحدة مصر وسورية، وصولاً إلى التأييد المطلق للثورة الفلسطينية من دون خجل، وانتهاء بإسقاط 17 ايار و «هذا شرف وفخر لنا». وقال: «نبوءة كمال جنبلاط عام 1976 تحققت عام 2000، عندما ذهبنا الى دمشق عام 1977 بعد الاغتيال، تجاوزنا حدث الاغتيال بالمعنى الشخصي وأكدنا على التواصل مع العرب من اجل عروبة لبنان والحفاظ على المقاومة الفلسطينية، وكنا في مأزق نتيجة الخلاف والتعارض ما بين منظمة التحرير وقيادة فتح برئاسة ياسر عرفات والنظام السوري، وقاسينا نتيجة هذا التعارض كثيراً، فكانت لاحقاً، بعد الغزو الإسرائيلي وتحرير الجبل، حرب المخيمات التي انهكت الجميع والتي اخرجت منظمة التحرير من لبنان، ولم اخجل عندما اطلقت الرصاص عالياً تحية الى المقاتلين والمجاهدين الفلسطينيين الذين خرجوا آنذاك من لبنان في اول قافلة فلسطينية غادرت لبنان». وأضاف: «عندما نحيي هؤلاء، فإننا نحيي نضالاً مشتركاً على كل الساحات من الجنوب الى الشياح الى بيروت الى الجبل والى كل مكان». وكذلك تحدث بإسهاب عن «كفاح» الحزب التقدمي من أجل الأمور التعليمية والحياتية، ليقول: «لم يتغير شيء، لذلك لا مستقبل للبلاد في اقتصاد ريعي من دون حماية للزراعة والصناعة، دون انتاج». «ثورة الأرز» ثم خلص جنبلاط إلى الحديث عن «ثورة الاستقلال». وقال: «ثم جاءت ثورة الاستقلال وتداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري وغيره من الشهداء، ذهبنا الى المعقول وإلى اللامعقول، وصحيح ان العاطفة في بعض الأوقات غلبت على المنطق، لكن قمنا بواجبنا في ما يتعلق بالمحكمة، وأتتنا المحكمة، ونتمنى ان تأتي المحكمة بالحقيقة وأن تكون عنواناً للاستقرار، فلا نريد المحكمة عنواناً للفوضى، ولا نريد ان تتحكم بالمحكمة دول او ربما جهات تأخذ هذه المحكمة الى غير محلها، نريد لهذه المحكمة ان تحد من الاغتيال السياسي وأن توقف الاغتيال السياسي وتعطي كل صاحب حقه في ما يتعلق بالجرائم، لكن لا نريد للمحكمة ان تذهب الى الأقصى او ربما الى تحريف المنهج الأساسي وهو العدالة». وأضاف: «ذهبنا الى اللامعقول عندما التقينا مع المحافظين الجدد موضوعياً في واشنطن من اجل حماية ما يسمى ثورة السيادة والحرية والاستقلال، هذا لقاء في غير طبيعته وفي غير سياقه التاريخي وفي غير التموضع التاريخي للحزب التقدمي الاشتراكي، ان نلتقي مع الذين عمموا الفوضى في منطقة الشرق، الذين دمروا العراق وفلسطين، لكن آنذاك ولست هنا لأبرر، كان همنا الأساس هو موضوع المحكمة». وزاد: «ربما كنا نستطيع الا نذهب، لكن الذي حدث حدث، وذهبنا ولم تكن تلك الا نقطة سوداء في تاريخنا، في تاريخ الحزب الناصع، الأبيض، الساطع في وضوحه في ما يتعلق بنضاله الدائم مع القضية الفلسطينية، مع القضية العربية، مع قضية لبنان العربي، المنحاز عربياً لأن تلك الشعارات للسيادة والحرية والاستقلال دون مضمون عربي والالتصاق بالقضية الفلسطينية لا معنى لها، بل تعيدنا الى لبنان الانتداب، لبنان ميشال شيحا، لبنان الانعزال، لبنان اليمين، لبنان المنفصل عن البعد العربي وعن القضية الفلسطينية، ذهبنا، فلنسجل تلك النقطة السوداء، وأتحمل مسؤوليتها، ولاحقاً في يوم ما لا بد من مناقشتها بهدوء، ولم يكن هناك سبب تخفيفي لهذه الزيارة سوى موضوع المحكمة الدولية». وذكر ب «الإصرار الدائم من قبل الحزب على الغاء الطائفية السياسية، لأن لا وطن بوجود صيغة الطائفية السياسية التي تتجذر كل يوم، ورأيناها بالإمس فولكلورياً، كانوا ثلاثة رؤساء وأصبحوا أربعة (في عيد الجيش)، وغداً سيصبحون 5 و6 في البزات البيض، وما اجمل تلك البزات التي ورثناها من الانتداب الفرنسي». العودة وشدد جنبلاط على «ضرورة العودة الى الثوابت»، موضحاً «أن الصيغة التنظيمية الجديدة للحزب هي صيغة تنظيمية من اجل تجديد عناصر معنية او اعادة النظر في كيفية تعيينات معينة وهكيليات معينة». واعتبر «ان لا قيمة لصيغة تنظيمية من دون بعد سياسي واجتماعي وقومي وعربي وفلسطيني، ولا قيمة لصيغة تنظيمية من دون بعد سياسي بالمفاهيم التي حددتها لأن المعركة اليوم اقسى بكثير من معركة كمال جنبلاط في الخمسينات، وكان معه رفاق من كلوفيس مقصود وغيره، ذهبوا الى المساحة العربية الواسعة، ذهبوا والتقوا المارد العربي الكبير جمال عبد الناصر، ذهبوا الى حركة عدم الانحياز، الى الاتحاد السوفياتي، مات جمال عبد الناصر، العروبة تحتضر، لكن لا نستطيع الا ان نعود الى الثوابت، الى الأساسيات، الى اعادة اطلاق الفكر العربي في صفوفنا اولاً كحزب، وصولاً الى توسيع رقعة التحالف مع احزاب وحركات وتنظيمات وشخصيات نلتقي معها موضوعياً وفكرياً وسياسياً في ما يتعلق بعروبة لبنان والنظام الطبقي، وفي حماية صفوف الفلاحين والعمال والدفاع عن القضية الفلسطينية وفي ما يتعلق بعلاقات مميزة مع سورية ومن خلالها مع العالم العربي». وأضاف: «عهد الوصاية ولى، الجيش السوري انسحب، فكفانا بكاء على الأطلال». وتطرق جنبلاط إلى معالم السياسة الأميركية في العهد الجديد لباراك اوباما، معتبراً «أنه ورث ارثاً هائلاً وثقيلاً، فهو حاول، في خطابه في مصر، ان يؤكد على الموضوع الفلسطيني، ولكن كل النتيجة حتى هذه اللحظة انه قال بتجميد الاستيطان، فأتى لاحقاً المبعوثون الأميركيون ليقولوا مع اسرائيل بتجميد الاستيطان في مقابل الاعتراف بالدولة اليهودية، وهذا يعني انه اذا اعترف من تبقى من عرب بيهودية الدولة، فيعني انهم اجهضوا حق العودة وشرعوا لليهود، للكيان الصهيوني، تهجير عرب فلسطين 1948 الى مكان خارج الحدود، وشرعوا قيام مغامرات عسكرية جديدة على حساب الحق العربي». وقال: «اذا عدنا الى المغالطات التاريخية التي ذكرها، فهو لم يذكر كلمة ارهاب، «شكراً»، ولكنه دان العنف الفلسطيني. كيف يمكن لأي شخص او رئيس ان يدين العنف الفلسطيني وهو عنف مشروع بشتى اشكاله لأنه يقاوم احتلالاً اجنبياً؟ ان ارض فلسطين هي للعرب والمسلمين، وإذا كان العرب والحزب في مرحلة معينة ظنوا فيها ان هناك امكانية لقيام دولتين، دولة الضفة والقطاع، بعد معالجة قضية القدس وحق العودة، فإن الواقع القائم، واقع الضفة وواقع القدس، يلغي قيام الدولة الثانية، والإدارة الحالية ليست الا ادارة بلدية لشؤون المواطنين في الضفة الغربية، في مقابل دولة حماس المحاصرة اسرائيلياً وعربياً، هذه هي اليوم صورة فلسطين». وتابع: «اما المشروع الأساس الذي نادى به بعض المفكرين، وحتى منظمة التحرير وهو دولة واحدة للشعبين بحقوق متساوية لليهود والعرب، فاعتقد ان ذلك خيالاً وخرافة من الخرافات، ولا يمكن الوصول الى تسوية في فلسطين مع الصهيونية». وزاد: «وخلافاً لما قاله اوباما فإن الفكر الصهيوني بدأ في القرن التاسع عشر في اميركا، وبدأ الاستيطان اواخر القرن التاسع عشر ولم تكن اسرائيل وليدة المحرقة التي نستنكرها، والتي ارتكبها الغرب العنصري. اسرائيل مشروع استعماري على الأرض العربية، والصراع طويل جداً، والظروف اقسى وأصعب، ولم يتبق من محطات نستطيع ان نتعلق بها الا المبادرة العربية، وحسناً فعل (وزير الخارجية السعودي الأمير) سعود الفيصل بالأمس، الأرض اولاً ثم التطبيع، وطبعاً الأرض تزول والتطبيع هو المطلوب». ورأى «ان ما تبقى وما هو مطلوب ان تتوحد الإرادة الفلسطينية، ولكن ذلك ليس في المدى المنظور». الفرز الطائفي وخصص جنبلاط جزءاً من كلمته إلى الموضوع اللبناني انطلاقاً من الانتخابات النيابية، معتبراً «أنها أكدت اكثر من اي وقت مضى الفرز الطائفي في البلاد». وقال للذين فرحوا بالانتصار: «نرى انها فرحة موقتة، ورأينا كيف تبخرت هذه الفرحة وكيف ان هذا الانتصار لا معنى ولا قيمة له ويؤكد اكثر من اي وقت مضى ضرورة التخلص من النظام الطائفي». وأضاف: «دخلنا في ما يسمى بالديموقراطية التوافقية التي تذكرنا باجتماع القبائل والعشائر، ان في الأنبار او في البصرة او حتى لبنان، عندما يتباهون بالمجتمع المدني. ليس هناك مجتمع مدني الا قلة قليلة، فهناك مجتمع اهلي او كما في افغانستان حيث يسمونه «الليوجرغا» اي اجتماع القبائل، وطبعاً يقومون بانتخابات ثم يتم التوافق على الصيغة بعد اجتماع القبائل، ولذلك فتشكيل الوزارة هو رؤية جديدة حيث تستطيع القبائل اللبنانية، ونحن منها، ان نتوافق على صيغة جديدة تحت شعار التوفيق والوسطية وغيرها من الشعارات». ورأى «ان هناك ضرورة لإعادة كتابة تاريخ الحزب»، معتبراً «ان لا قيمة للحزب التقدمي اذا لم يلتزم اليسار، ولا معنى له دون الالتزام بالعروبة والالتصاق بالقضية الفلسطينية، فمن دون هذه الثوابت لا معنى لوجود الحزب او لاستمراره». 14 آذار والضرورة وقال جنبلاط: «اننا اذ تحالفنا في مرحلة معينة تحت شعار 14 آذار مع مجموعة من الأحزاب والشخصيات، وبحكم الضرورة الموضوعية التي حكمت البلاد آنذاك، لكن هذا لا يمكن ان يستمر، فعلينا اعادة التفكير بتشكيلة جديدة اولاً داخل الحزب وثانياً على الصعيد الوطني، من أجل الخروج من هذا الانحياز والانجرار الى اليمين والعودة الى اصولنا وثوابتنا اليسارية والعربية والنقابية والفلاحية وغيرها من الثوابت التي من أجلها قضى الكثير واستشهد الكثير من مناضلي الحزب التقدمي الاشتراكي، فهذا هو التحدي الكبير الذي ينتظرنا». وخاطب الحزبيين قائلاً: «لم نخض كحزب ولا كفريق 14 آذار معركة ذات مضمون سياسي، فنحن خضنا معركة رفضنا فيها الآخر. خضنا معركة ذات طابع قبلي رفضنا فيها الآخر من موقع مذهبي قبلي وسياسي، وما يسمى انتصرنا. ليس هذا الانتصار، فنحن ننتصر عندما نعطي للعمال والفلاحين حقوقهم، ننتصر عندما نعود الى الثوابت العربية والفلسطينية، ننتصر عندما نخرج من اليمين ونعود ونلتصق بما تبقى من يسار او ننشىء يساراً جديداً، فهذا هو الانتصار».