تنفست فرنسا الصعداء أمس بعدما مرّت بسلام الاحتجاجات المنددة بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة التي نشرتها مجلة فرنسية ساخرة. وبدا أن تراجع حدة الاحتجاجات في كثير من الدول الإسلامية جاء نتيجة الإجراءات الأمنية الصارمة حول البعثات الديبلوماسية، وأيضاً نتيجة دعوات إلى التهدئة صدرت من مسؤولين دينيين وسياسيين شددوا على ضرورة أن يكون التعبير عن الغضب حضارياً. لكن باكستان شهدت في المقابل يوماً دامياً من الاحتجاجات، ما أدى إلى سقوط ما لا يقل عن 13 قتيلاً وعشرات الجرحى. وجاء ذلك في وقت دعا إمام وخطيب المسجد الحرام في مكةالمكرمة الشيخ صالح بن محمد آل طالب، في خطبة الجمعة، إلى إصدار ميثاق شرف يجرم الاساءة للرسل والاديان. ونقلت «فرانس برس» عن الشيخ صالح في خطبته: «أين القانون الدولي والمعاهدات الدولية التي تجرّم الدعوة إلى الكراهية والتمييز العنصري وبخاصة حين تشكّل تحريضاً مباشراً على العنف، إننا نطالب العالم (..) ان يصدر ميثاق شرف ويسن قانوناً ملزماً يحرّم ويجرّم الإساءة للأنبياء والرسل ورسالاتهم السماوية». وفي الإطار ذاته، دانت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الافريقي والاتحاد الأوروبي، في بيان مشترك، الأعمال المسيئة للإسلام وكل أشكال ازدراء الأديان والحض على الكراهية، وشددوا على ضرورة احترام كل الأديان وجميع الأنبياء والرسل. وأكد التزام المنظمات الإقليمية الأربع باتخاذ التدابير والعمل على بلورة إجماع دولي يضمن الاحترام الكامل للأديان. ومنع الاساءة إليها. ودان أعمال العنف التي وقعت ضد بعض السفارات، مطالباً بالهدوء والتعقل. وكان مسؤولون فرنسيون عبّروا أمس عن ارتياحهم الى عدم وقوع اضطرابات عقب صلاة الجمعة للتنديد بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة التي نشرتها مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة. لكنهم شددوا على قرار منع تظاهرات أراد المسلمون تنظيمها اليوم السبت. وفي وقت اكتفى المسلمون في فرنسا أمس بالتنديد بالرسوم المسيئة في خطب أئمة المساجد خلال صلاة الجمعة، دخل اليمين المتطرف الفرنسي على خط الأزمة بدعوة أطلقتها زعيمته مارين لوبن إلى حظر ارتداء القلنسوة اليهودية والحجاب الإسلامي في البلاد. ونقلت «فرانس برس» عن لوبن قولها لصحيفة «لوموند» إن هذا المنع يجب أن يُطبّق في «المتاجر ووسائل النقل والشوارع». ودعت إلى «التطبيق الصارم لقانون 1905» حول العلمانية، قائلة: «لا تمويل بعد الآن للمساجد، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لا تمويل أجنبياً بعد الآن. باستثناء الحالات المحددة في اتفاقات المعاملة بالمثل». ورداً على سؤال عن دعوة لوبن هذه، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن «كل ما يمزق ويقسم أمر أرعن، لذلك من الضروري تطبيق القواعد، والقواعد الوحيدة التي نعرفها هي قواعد الجمهورية والعلمانية». أما وزير التربية الفرنسي فنسان بيون، فقال رداً على لوبن إن «هذه الترهات كلها ناجمة عن الكراهية والظلامية. فلنتحرك... مارين لوبن ستصب الزيت على نار كل الأصوليات. وهي أول الأصوليين». وعلى صعيد ردود الفعل في العالم الإسلامي على رسوم المجلة الفرنسية والفيلم الأميركي المسيء، لوحظ أن أجهزة الأمن التونسية اتخذت إجراءات غير مسبوقة لحماية السفارة الفرنسية، على رغم أن السلفيين قالوا إنهم لن يقوموا بأي عمل ضدها بعكس ما قاموا به الأسبوع الماضي عندما هاجموا سفارة أميركا وأحرقوا جزءاً منها. وقال زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي يقود حزبه الإئتلاف الحاكم في تونس، إن المطلوب اتخاذ إجراءات ضد المتشددين الذين هاجموا السفارة الأميركية. وقال الغنوشي ل «فرانس برس» إن «هؤلاء لا يمثلون خطراً على النهضة فقط بل على الحريات العامة في البلاد وعلى أمنها لذلك ينبغي للجميع التصدي لهم بالوسائل القانونية (...) وتشديد القبضة والالحاح على النظام لأنه وقع اخلال به ووقع استخدام سيء للحرية من طرف مجموعات لا تؤمن بالحرية».