شهدت عواصم العالم العربي والإسلامي غضبة وصفت ب«المضرية»، بعد فيلم «براءة المسلمين» المسيء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - تفاوتت هذه الغضبة حتى وصلت حد الاعتداء بالقتل على السفير الأميركي في بنغازي واشتباكات في محيط السفارة الأميركية في القاهرة ومظاهرات في اليمن وباكستان وغيرها من المدن. الشارع السعودي بدا متعاطفاً أكثر من النخب كما يرى بعض المتابعين. الرموز الدينية أبدت انزعاجها، لكن لم تحدث ضجيجاً مثل أيام الرسوم الدنماركية المسيئة، فلم يطلب أحد التجمهر للاحتجاج أو يطالب بمقاطعة الأقباط. لكن الرموز الدينية والشارع السعودي بدا متفاعلاً مع أول الحدث. التعاطي القبطي بدا مستنكراً وبشدة ما ورد في الفيلم المسيء، إذ استنكرت 120 جمعية قبطية الفيلم وفقاً لحديث الأمين العام للهيئة العالمية للتعريف بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والأمين المساعد لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عادل الشدي مع «الحياة». عدد من القائمين على المسلسل خرجوا في لقاءات إعلامية، أكّدوا تعرضهم للخداع، لكن الشارع بدا مشككاً في ذلك. على رغم عرض إحدى الممثلات لسيناريو المسلسل. الفكرة التي يرتكز عليها بعض المتعاطفين مع العنف تكمن في المقارنة بين مقتل الأبرياء في كل المدن، يقول أحد المغردين على موقع التواصل الإجتماعي «تويتر»: «لكل من سيتباكى على مقتل السفير الأميركي عليك أن تعتبره أفغانياً بريئاً أو عراقياً بريئاً، فهل بكيت على هؤلاء؟ أحضر لي تغريداتك إن كنت من الصادقين»، في حين طالب عدد من الشرعيين والمتخصصين أن تكون نصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأخلاقه. من تلك المطالبات والبيانات ما قاله مفتي عام المملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ: «إن أعظم النصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الاقتداء بهديه والاستنان بسنته ونشر فضائله والتعريف بسيرته وإذاعة قيم الإسلام وتعاليمه». وأضاف في بيان صادر له: «إن المحاولة الإجرامية البائسة بنشر الفيلم المسيء للنبي - صلى الله عليه وسلم - لن تضر الجناب النبوي الكريم بشيء ولا الدين الإسلامي كذلك، فقد رفع الله عز وجل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ذكره وجعل الذل والصغار على من خالف أمره، وفتح له الفتح المبين وعصمه من الناس أجمعين، وكفاه المستهزئين وأعطاه الكوثر، وجعل شانئه هو الأبتر». وأكّد أن استنكار المسلمين لهذه المحاولة الإجرامية يجب أن يكون وفق ما شرعه الله عز وجل في كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا يجرهم الحنق والغضب إلى أن يتجاوزوا المشروع إلى الممنوع، فيكونوا بذلك حققوا بعض أهداف هذا الفيلم المسيء من حيث لا يشعرون، ويحرم أن يأخذوا البريء بجريرة المجرم الآثم، ويعتدوا على معصوم الدم والمال، أو يتعرضوا للمنشآت العامة بالحرق والهدم. وناشد دول العالم والمنظمات الدولية بالتحرك لتجريم الإساءة للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. كما طالب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي، في خطبة الجمعة التي ألقاها في الدوحة الشعوب الإسلامية بضرورة العمل على إنتاج أعمال تليفزيونية وأفلام تتناول سيرة الرسول ورسالته. وأشار القرضاوي إلى أن «الوفاء لنبينا الحبيب لا يكون بالشعارات أو بقتل السفراء ومن يعملون في المقار الديبلوماسية التابعة لأميركا»، مؤكداً أن «الولاياتالمتحدة كدولة ليست وراء إنتاج الفيلم المسيء». وطالب القرضاوي القيادة الأميركية باتخاذ موقف «ضد منتجي هذا العمل غير الأخلاقي، الذي لا يمكن إدراجه ضمن حرية الرأي والتعبير أو الإبداع»، على حد قوله. من جهته، دعا الأمين العام لمنظمة النصرة العالمية الدكتور سلمان العودة لحملة موسعة تستهدف الضغط لحذف المادة المسيئة للنبي - صلى الله عليه وسلم - من على موقع «يوتيوب»، باعتباره الوسيلة التي سوقت هذه المادة البذيئة والبعيدة تماماً عن مفهوم الثقافة والأخلاق، وأحدثت هذه العلاقة المتوترة بين العالم الإسلامي وغيره من الدول. وشدد في مداخلة إعلامية على ضرورة التعبير الرشيد والتظاهر السلمي ضد الفيلم المسيء، مؤكداً حرمة نشر وتوزيع رابط الفيلم حتى لا يساهم المسلمون في الترويج والتشويق له. وقال: «يحرم توزيع هذا الرابط، ولا يجوز للمسلم أن يقوم بتوزيعه والمشاركة في حملة التشويق للفيلم، لأنها خدمة لصناع هذا العمل الذين أرادوا انتشاره على أكبر عدد من الناس». وأشار إلى أن هذا الفيلم يشترك مع فيلم «فتنة» الذي أنتجه أحد الهولنديين، والرسوم الكاريكاتورية في الدنمارك، من حيث افتقارها إلى القيمة الفنية والثقافية واحتوائها فقط على قدر كبير جداً من الاستفزاز، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن هذا لا يسوّغ السكوت عليهم، ولو لم يحدث رد فعل لكان لنا أن نتساءل «أين المسلمون؟ وأبدى انطباعه عن الحراك الجاري في السعودي، فقال: «الغيرة على جناب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاهتمام الشديد لا يزال مشتعلاً عند الناس بشتى أنواعهم سواء أكانوا رموزاً إسلامية أم من عامة الناس، وهذا أمر مبشر بخير»، وأشار إلى أن تفاعل الناس مع الفيلم المسيء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعد أفضل من تفاعلهم حول الرسوم الدنماركية المسيئة، ففي الفيلم كان التفاعل منذ الساعة الأولى من نشره، في حين احتاجت الرسوم المسيئة إلى ثلاثة أشهر ليتفاعل الناس معها. وبرر حماس الناس الذي يفوق النخب الدينية، بأنه فطري، ودائماً ما يسبق ردود فعل النخب، باعتبار أن النخب الدينية تزن الأمور والتصريحات، وأبدى سعادته برجوع الناس إلى أهل العلم في مثل هذه الحادثة، مشيداً بتصريح المفتي المواكب للحادثة، «مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أصدر بياناً متوازناً للناس، ولم يتأخر في ذلك». ورأى عدم جواز نشر الفيلم المسيء، وأن الأفضل تجاهله، لكن عندما انتشر الفيلم فلا يصح السكوت عنه، وذكر أن الهيئة العالمية للتعريف بالرسول «خاطبنا موقع «يويتوب» لكن الاستجابة كانت عادية، فوضعوا تحذيراً، وقالوا جاري التعامل مع طلبكم»، منتقداً قيام إحدى القنوات الإسلامية المصرية نشر الفيلم أمام الناس. واعتبر الشدي أن تدشين الفيلم المسيء وبثه في ذكرى 11 أيلول (سبتمبر) يدل على أن منتجي الفيلم لهم هدف واضح في استفزاز المسلمين واستفزاز صورة المسلمين عند الغرب، ومحاولة الربط بين حادثة 11 سبتمبر، وأنها مرتبطة برسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ووصف ذلك ب«الافتراء الرخيص وتشويه مبتذل للإسلام، ومحاولة لإذكاء الصراع بين مسلمي مصر وأقباطهم، ومحاول لشق الوحدة الوطنية بينهم»، مشيداً بقيام 120 جمعية قبطية لاستنكار الفيلم المسيء، وعدم انجرار مسلمي مصر في الإساءة للأقباط. ورفض تبرير تجاوزات المسلمين التي وصلت إلى حد قتل السفير الأميركي وغيرها من التصرفات الخاطئة، ولم يجزم بأن الفيلم المسيء مؤامرة، وقال: «لا بد أن يكون لدينا وعي ولا ننجر لاستفزازات الأعداء، بل نستنكر الفعل باقتداء هدي الرسول صلى الله عليه وسلم»، واعتبر ما حدث من قتل للسفير الأميركي في بنغازي وغيرها يعد امراً سلبياً وتشويهاً لرسالة الإسلام، ويكرس الصورة النمطية المشوهة عن المسلمين لدى الغرب. وأكّد الشدي على بروز الحاجة الماسة إلى وجود تفاهم دولي يجرّم المساس بشخصيات الرسل الكرام وعدم الانتقاص لهم والحفاظ على السلم العالمي وعدم التذرع بحرية التعبير، فهناك عدد من الدول التي تعد حرية التعبير تجرّم الحديث عن السامية أو محرقة «هولوكست» وغيرها.