إذا كان الإسلاميون يحكمون مصر الآن فمن هؤلاء الإسلاميون الذين يمارسون العنف في سيناء؟ يطرح السؤال نفسه بشدة في ضوء حوادث العنف المتكررة في شبه الجزيرة المصرية والتي تتفرع ولم تتوقف رغم الحملة العسكرية الكبيرة التي يشنها الجيش المصري على معاقل الاسلاميين المتطرفين هناك منذ حادثة الاعتداء على جنود حرس الحدود والتي خلفت 16 ضحية. يعتقد البعض بأن وصول الإسلاميين الى الحكم في البلاد بفوز «الإخوان» والسلفيين بالغالبية البرلمانية في البرلمان المنحل ثم وصول الدكتور محمد مرسي الى المقعد الرئاسي كان كفيلاً باختفاء العنف الديني من كل أرجاء مصر حتى وإن نشأت نزاعات سياسية أو حتى عسكرية لأسباب أخرى في أماكن أخرى من البلاد. لكن آخرين أيضاً يعتقدون بأن وصول الإسلاميين الى الحكم زاد من وتيرة العنف لكون «الحكم» يتخذ إجراءات تزيد من أعداد الإسلاميين المتطرفين أو تمنحهم الفرص لكي يمارسوا العنف أو انه يتحرج من ملاحقتهم ومعاقبتهم. ويشير هؤلاء الى قرارات أصدرها مرسي مثلاً بإطلاق اسلاميين جهاديين من السجون بعضهم صدرت في حقه عقوبات بالإعدام إضافة بالطبع الى تخفيف الحصار على قطاع غزة وتوطيد العلاقات مع حركة «حماس» وفتح المعبر وغض الطرف عن الأنفاق. والحق أن تاريخ الحركة الاسلامية في مصر يثبت وجود جماعات تكفيرية لا ترضى بحكم أي طرف آخر غيرها، وأن ذلك أمراً قائماً في مصر في ظل العهد الناصري وأيضاً في أثناء حكم السادات ومبارك وسيظل موجوداً حتى وإن حكم «الإخوان»، ومعهم السلفيون، البلاد. تلك الجماعات كما كفرت كل الأنظمة السابقة فإنها أيضاً تكفر «الإخوان» والجماعات السلفية الأخرى غير الجهادية. وكذلك فإن الوضع في سيناء لا يعود الى أسباب سياسية بقدر ما يعود الى أسباب أمنية، فالانفلات الأمني مازال مستمراً، والأحداث التي طاولت جهاز أمن الدولة ساهمت في زيادة نشاط التكفيريين نتيجة غياب جهود المكافحة أو المعلومات الدقيقة عنهم. أما من يعتقد بأن الجيش قادر على الدخول في حرب عصابات مع الجماعات التكفيرية في سيناء وأن تلك الحرب ستحقق فيها نصراً يشبه نصر تشرين الأول (أكتوبر) 1973 فإنه لا يدرك أن جهات الأمن الداخلية (الشرطة) تكون أكثر قدرة على التعاطي مع نشاط الحركات الدينية رغم فارق المعدات والامكانات بين الشرطة والجيش. تحتاج الجيوش الى مساحات واسعة من الأرض الخالية من المساكن والسكان وتستطيع تحقيق النصر حتى لو كانت تحارب جيشاً يفوق في العدد والعدة. أما الحركات والجماعات والتنظيمات التي تمارس حرب عصابات فإن المعلومات عنها تكون أهم من قدرتها على الحرب، كما أن اختلاطها بالسكان والأهالي يحول دون لجوء الجيش الى معارك تصفية واسعة إذا أنه غير تعاطف الأهالي. سقط عبد الناصر بسبب هزيمة الجيش المصري في حرب الأيام الستة في حزيران (يونيو) 1967 والهزيمة كانت أمام جيش آخر فما بالك إذا ما خسرت مصر سيناء مجدداً بسبب جماعات إسلامية تكفيرية مصرية؟. مطلوب من «الإخوان» والسلفيين (غير الجهاديين بالطبع) والرئيس مرسي تقديم نموذج لحكم إسلامي سلمي وإذا ما نجحت التجرية سيسهم الأمر في تقليل الأعداد التي ستلتحق بالحركات التكفيرية التي أصبحت الآن تعمل على إفشل الحكم الاسلامي الجديد في إضافة كوادر جديدة إليها مستندة الى مقولة أن «الإخوان» لا يختلفون عن الأنظمة الأخرى التي حكمت مصر في العصور السابقة. وكلما زادت إخفاقات الحكم الجديد كلما صار الوضع أكثر خطورة وهو الآن منحصر في سيناء والخوف كل الخوف أن ينتشر في مصر... كل مصر.