العين هي النافذة التي نطل منها على العالم الخارجي، وهي مسؤولة عن حاسة الإبصار التي تعتبر من أهم الحواس في الجسم، فمن خلالها نتلمس تضاريس العالم الذي يحيط بنا، وبواسطتها نقوم بأنشطة كثيرة لا حصر لها، كالقراءة، والكتابة، ومشاهدة التلفزيون والسينما، وتمييز الألوان، والتعرف على الأحجام والأشكال... وغيرها. وقبل الخوض في غمار الأخطاء الانكسارية، نذكر لمحة مختصرة عن الرؤية في العين الطبيعية. تتم عملية الرؤية من خلال قيام القرنية والعدسة بتجميع الأشعة الضوئية الداخلة من طريق البؤبؤ وتركيزها على شبكة العين التي تحوّل بدورها الموجات الضوئية إلى تيارات عصبية، وترسلها من طريق العصب البصري إلى المخ ليحوّل هذه التيارات إلى صورة حية مرئية. إذاً في العين الطبيعية تمر أشعة الضوء داخل العين وتتعرض خلال مسيرتها في القرنية والجسم البلوري إلى قوة انكسارية تجبر الأشعة على التجمع في بؤرة واحدة على شبكية العين وعندها تكون الرؤية واضحة، أما إذا لم يتم تكسير الأشعة في شكل مناسب فإنها تتجمع في مكان يقع أمام الشبكية أو خلفها وبذلك تصبح الرؤية غير واضحة، وهذا ما نسميه الخطأ الانكساري الذي يعرض الصورة التي نراها إلى التشوش والضبابية. ولا بد من التذكير هنا بأن العين الطبيعية الخالية من العيوب تتميز بوجود تناسب بين القوة الانكسارية (قوة القرنية والعدسة) ومكان الشبكية التي تقع على مسافة 24 ميلليمتراً خلف القرنية، وهذا التناسب يجعل الضوء الساقط على العين يتركز على الشبكية، من هنا أي اختلال فيه سيؤدي إلى حدوث الأخطاء الانكسارية. والأخطاء الانكسارية في العين تجعل الأخيرة عاجزة عن نقل الصورة بوضوح، وأحياناً قد تسبب هذه الأخطاء ضعفاً في الرؤية قد يقود إلى العمى لاحقاً. وتفيد تقارير منظمة الصحة العالمية بأن أكثر من 150 مليون شخص في العالم يتعايشون مع ضعف الرؤية الناتج من الأخطاء الانكسارية التي لم تصحح، خصوصاً في البلدان الفقيرة. ومن شأن الأخطاء الانكسارية غير المصححة أن تعوق الأداء المدرسي، وتقلل الإنتاجية وتعرقل الحصول على الوظائف، وتضعف نوعية الحياة. قد يسأل سائل: ما هي الأخطاء الانكسارية في العين؟ تشمل هذه الأخطاء الاضطرابات الآتية: حسر البصر، ومد البصر، والانحراف. 1- حسر البصر(قصر البصر)، وهو من أكثر الأخطار الانكسارية حدوثاً، وفيه تقع الصورة أمام شبكية العين، ولذا فإن المصابين بهذا العيب لا يستطيعون رؤية الأشياء البعيدة بوضوح، في المقابل في إمكانهم رؤية الأشياء القريبة، فالطالب مثلاً يستطيع القراءة جيداً، في حين أن سائق التاكسي لا يستطيع قراءة اللوحات الإرشادية. وينتج حسر البصر من زيادة تحدب القرنية أو العدسة البلورية، أو بسبب تطاول مقلة العين من الأمام إلى الخلف. وتلعب الوراثة الدور الأبرز في حصوله. وكلما زاد عمر المريض زاد قصر النظر تفاقماً. ويتظاهر حسر البصر عادة في سن المدرسة ( في السادسة من العمر) ولكن يمكن أن يشاهد في سن الطفولة، ويزداد تدريجياً في مرحلة المراهقة والشباب ليصبح ثابتاً بعد ذلك، أي مع اقتراب سن 18 أو بعده بقليل في بعض الأحيان. وحسر البصر يقع في ثلاث درجات: خفيف، ومتوسط، وشديد. وكلما زادت درجة حسر البصر تتدهور رؤية الأشياء البعيدة. ويمكن لحسر البصر أن يترافق مع تبدلات طارئة تطاول كلاً من حليمة العصب البصري، والجسم البلوري، والشبكية. كيف يعالج حسر البصر؟ هناك ثلاثة خيارات: الأول وضع النظارات الطبية. الثاني استعمال العدسات اللاصقة. والثالث التصحيح الجراحي. 2- مد البصر( طول البصر)، وهو مشكلة شائعة الحدوث، وفيه يتشكل خيال الصورة المرئية خلف الشبكية، وبناء عليه يستطيع المصاب الرؤية الجيدة إلى البعيد لكن الرؤية عن قريب تكون ضبابية. ويوجد المد منذ الولادة، وعادة ما يكون عائلياً. أما سببه فيعود إما إلى ضعف القوة الكاسرة للعين، أو إلى قصر قطر كرة العين الأمامي والخلفي. والمصابون بدرجة حادة من المد يستطيعون أن يروا بوضوح الأشياء التي تبعد عنهم بعداً شاسعاً. ويتظاهر مد البصر بالعوارض الآتية: - الإرهاق في العين عند النظر الى الأشياء القريبة. - أوجاع في الرأس خلال القراءة أو العمل يتم تبريرها بأسباب أخرى. - آلام في مقلة العين. - التهاب حواف الأجفان الناكس. ومد البصر ثلاث درجات: خفيف ومتوسط وشديد. ويؤدي النوع المتوسط والشديد من المد غير المعالج إلى عدد من المضاعفات، مثل الخلل في الرؤية، والحول، والكسل الوظيفي للعين، والتهابات الملتحمة وحواف الأجفان، وتبدلات في ضغط العين. أما في شأن العلاج، فإن المد الخفيف الدرجة يمكن للمصاب به أن يتأقلم معه وهو عادة لا يحتاج إلى العلاج. أما المد الشديد فيلزمه التصحيح بالنظارات أو بالعدسات اللاصقة. ويمكن تصحيح المد الخفيف بأشعة الليزر. ولا بد هنا من الإشارة إلى مد البصر الشيخي، وهو خلل ناتج من التغيرات التي تطرأ على عدسة العين بسبب التقدم في السن، فبعد الأربعين يضطر الشخص إلى إبعاد الكتاب أو الأشياء قليلاً عن عينيه حتى يتمكن من قراءتها أو رؤيتها. وتسبب هذه المشكلة إزعاجاً للأشخاص الذين يكثرون من القراءة والكتابة، وأصحاب بعض المهن، كالخياطة والتطريز وإصلاح الأجهزة الدقيقة وغيرها. وهذه المشكلة يسهل حلها باستخدام نظارات طبية مناسبة تساعد الشخص في تحسين واستعادة قدرته على رؤية الأشياء القريبة. 3- الانحراف (الأستيغماتيزم)، وهو اضطراب يختلف عن الحول، ويتميز بتشوش في الرؤية ناتج من الانحناء غير المنتظم في القرنية، أي الغشاء الشفاف الذي يغطي مقلة العين. ويؤدي الانحراف إلى ضعف في النظر، ويشاهد عادة منذ الطفولة أو يظهر لاحقاً في سن البلوغ. ويكون الانحراف مصاحباً لقصر البصر أو مد البصر، ومن النادر جداً أن يوجد وحده. وأسباب الانحراف كثيرة من بينها الإصابات التي تسبب تمزق القرنية، والقرنية المخروطية، والعمليات الجراحية التي تجرى على القرنية. ويؤثر الانحراف على كل النشاطات المتعلقة بالبصر، ومن أهم عوارضه الصداع، وإجهاد العين، والصعوبة في القراءة. ويتم تصحيح الانحراف بالنظارات الطبية أو بوضع نوع خاص من العدسات اللاصقة. في المختصر، إن العين عبارة عن آلة تصوير حية تنقل تفاصيل الحياة بأدق صورها، غير أن الأخطاء الانكسارية تجعلها تنقل صوراً مهزوزة ومشوهة عن العالم الخارجي، فحري بنا أن نرصدها ليتم تصحيحها، كي نرى العالم من حولنا بوضوح. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن الوقاية من الأخطاء الانكسارية للعين، لكن في الإمكان رصدها بفحص العين وبالتالي تدبيرها بالتي هي أفضل، أي باستعمال النظارات، أو بوضع العدسات اللاصقة، أو بالجراحة. ضعف البصر في العالم العين الطبيعية هي التي تسمح برؤية الأشياء بوضوح على بعد مسافات مختلفة. وفي حال إصابة العين بخطأ انكساري، فإنها لا تتمكن من نقل صور العالم الخارجي بوضوح، من هنا يتسبب الخطأ الانكساري في تغييم الرؤية وأحياناً في ضعفها. هناك نحو 284 مليون شخص يشكون من ضعف النظر على مستوى العالم، وتعتبر الأخطاء الانكسارية غير المصححة السبب الرئيس لضعف البصر، وهي بحد ذاتها مسؤولة عن 43 في المئة من حالات ضعف النظر، وأكثر المصابين بها هم من العالم الثالث. 19 مليون طفل يعانون ضعف النظر، بينهم 12 مليوناً تعود أسباب ضعف النظر لديهم إلى أخطاء انكسارية. لا يمكن الوقاية من الأخطاء الانكسارية، لكن في الإمكان تشخيصها وتصحيحها، ما يساهم في الحد من حالات الإصابة بضعف النظر في كل البلدان. [email protected]