استلهم رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان من الصعوبات التي رافقت تأليف الحكومة الجديدة وما تزال تؤخر تشكيلها، من أجل طرح مجموعة من العناوين والخطوات الإصلاحية والمواقف السياسية في خطاب شامل ألقاه قبل ظهر أمس في العيد الرابع والستين للجيش اللبناني في حضور أركان الدولة وممثلي الطبقة السياسية في ما سماه «وقفة مساءلة ذاتية ونقد مسؤول عما قدمناه كسياسيين». وأكد سليمان في خطابه «من جديد على دور رئيس الجمهورية الضامن للمشاركة الحقيقية الى جانب دوره حامياً للدستور لمناسبة تأليف الحكومة الجديدة»، ملاحظا: «حرام على الوطن أن نأسره بأرقام وتواريخ طبعت سجالاتنا ومعاركنا الانتخابية الطائفية بل المذهبية». وجاء كلام سليمان في وقت دخلت المفاوضات حول التأليف، لا سيما بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، عبر الوزير جبران باسيل، في شأن حصته من الحقائب، قبل الأسماء، والتي اتفق على أن تكون خمسة لتكتل «التغيير والإصلاح» النيابي الذي يرأسه، بعد حسم حصول المعارضة على 10 مقاعد نصفها لحركة «أمل» و «حزب الله». ورأت أوساط سياسية ورسمية في خطاب سليمان تجديداً وتطويراً لخطاب القسم الذي ألقاه يوم انتخابه في 25 أيار (مايو) 2008، مع اضافات ومواقف أكثر وضوحاً فرضتها المستجدات السياسية خلال أكثر من عام لا سيما بعد الانتخابات النيابية ونفاذ اتفاق الدوحة الذي أنهى الأزمة السياسية والأمنية الحادة التي كانت قائمة آنذاك. ولفتت الى حديثه عن الطبقة السياسية الحالية بما يشبه التنبيه بقوله: «إذا كانت العلة فينا كمسؤولين فلنذهب ونعطِ مكاناً للشباب... وإذا كانت في الدستور فلنعمل على تعديله أو تصحيح ما يعتريه ضمن روحية اتفاق الطائف، وإذا كان في الطائفية فلنعمل على وضع تصور منهجي متدرج يفضي الى الغاء الطائفية السياسية التي ما زالت تعزز المطبات المعيقة لتطور الحياة السياسية»، تطبيقاً لما دعا اليه الطائف. ورأى سليمان ان «لا مبرر لأن يتملكنا خوف من المحظور من مقاربة الموضوع والإشكالات الدستورية التي ظهرت خلال الأزمات في شأن دور رئيس الجمهورية والمسؤوليات الواضحة التي يجب أن تلقى على عاتقه كي يتمكن من اخراج البلد من مأزق التجاذبات». وقال سليمان إن «تأخر ولادة الحكومة بالسرعة التي يتوق اليها اللبنانيون يدعونا الى التفكير في الثغرات الدستورية التي تعيق قواعد اللعبة الديموقراطية... وعلينا معاً أن نضع الإصبع على هذه الثغرات». ووجدت مصادر مراقبة ان كلام سليمان بمثابة أفكار تجعل من خطابه خطاب العهد، إذا كانت هذه الأفكار ستطرح لتضمينها البيان الوزاري لحكومة الحريري عند انجاز تأليفها لتنال الثقة على أساسه. وهذا يقفز بدور رئيس الجمهورية الى حيز جديد من المبادرة في ظل تزايد الحديث عن الحاجة الى هذا الدور سواء لأسباب تتعلق بضرورة لعبه دوراً وازناً في معالجة الأزمات السياسية أو بتعزيز دور المسيحيين في السلطة. لكن أوساطاً مطلعة على موقف سليمان أكدت أنه لا يهدف من وراء مقاربته «للثغرات الدستورية» الى اجراء أي تعديل في توزيع السلطات كما نص عليه اتفاق الطائف، بل هو يسعى الى تأكيد التوازن بين السلطات لا سيما انه كان له في الخطاب موقف لافت لجهة دعوته الى «تطبيق ما تبقى من الطائف الذي يعتبر ضمانة للجميع وتطبيق ما اتفق عليه في مؤتمر الحوار الوطني في عام 2006». وهذا يشمل سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية وضبطه داخلها وتحديد الحدود مع سورية في مزارع شبعا وانهاء قضية المعتقلين في السجون السورية. إلا أن المصادر المطلعة على موقف سليمان أشارت الى أن لديه أفكاراً محددة في شأن معالجة الثغرات الدستورية سيطرحها في الوقت المناسب. وقالت مصادر مواكبة لاتصالات تأليف الحكومة إن الاجتماع الذي عقد أول من أمس بين الحريري وباسيل لم ينته الى أي نتيجة عملية سوى الإبقاء على أجواء التواصل الإيجابي، إذ أن باسيل طرح مطالب عون بالتدرج وهي توزيع حصته بين وزير أرمني لحزب «الطاشناق» و4 وزراء جميعهم من الموارنة والحصول على واحدة من الحقائب الأربع السيادية، وحدد الخيار بين حقيبة الداخلية التي هناك توافق على أن تكون من حصة الرئيس سليمان ويتولاها الوزير الحالي زياد بارود، أو المال التي هناك تسليم بأنها تعود الى وزير يسميه الحريري. ورغم استمرار تكتم الرئيس المكلف، فإن أوساطاً مطلعة اشارت الى أن الحريري استغرب مطالب عون، وذكرت أن عون لم يتمسك بالحصول على 4 وزراء موارنة بينهم الوزير الذي يمثل النائب سليمان فرنجية الذي هو عضو في التكتل الذي يرأسه عون، باعتبار ان التمثيل الماروني في حكومة وحدة وطنية يتوزع بينه وبين حزبي «الكتائب» و «القوات اللبنانية» والمستقلين المتحالفين مع قوى 14 آذار والرئيس سليمان الذين يفترض أن يحصل كل منهم على وزير ماروني لكنه أصر على واحدة من الحقيبتين السياديتين. وأشارت هذه الأوساط الى أن رد الحريري كان بما معناه: لماذا لا تأخذون مكاني في تأليف الحكومة كأنكم أنتم الذين ربحتم الانتخابات وأنا أجلس جانباً وأتفرج؟ وذكرت أوساط متابعة أن عون طالب بالداخلية أو المالية رداً على ما يتردد بأن حقيبة الاتصالات التي كانت في حوزة باسيل ستؤول الى من يختاره الحريري من تيار «المستقبل» أو من حلفائه. كما تردد أن باسيل طرح مسألة الحقيبتين على الرئيس سليمان حين التقاه، في حين نفت أوساط رسمية ذلك. إلا أن المصادر المواكبة للاتصالات حول التأليف أوضحت أن العماد عون بدا أكثر ميلاً في طرحه لواحدة من الحقيبتين، الى الداخلية منه الى المال، ما يعني ان التجاوب معه يعود الى نزعها من الوزير بارود أي من حصة الرئيس سليمان، باعتبار أن هناك حقيبتين سياديتين في حوزته هما الدفاع والداخلية. وتردد أن عون سيقترح أن يحصل سليمان بديلاً منها على حقيبة الخارجية عبر الوزير الشيعي السادس المحسوب عليه عدنان السيد حسين، لكن هذا يعني أيضاً تغييراً في التوزيع الذي يعطي الخارجية الى من يسميه رئيس البرلمان نبيه بري. وذكرت هذه المصادر أن عدم الإصرار على حقيبةالمال من عون يعود الى علمه بأن لا مجال لتخلي الحريري عنها خصوصاً أن الاتفاقات والقروض والمساعدات المالية التي يمكن أن يحصل عليها لبنان مرتبطة بقدر كبير بإيلاء الحقيبة الى من يسميه الحريري. ورداً على سؤال عما إذا كان توزير باسيل طرح خلال لقاءي باسيل مع كل من سليمان والحريري، خصوصاً أنهما كانا أصرا على معيار استبعاد الراسبين في الانتخابات، قالت المصادر المواكبة لاتصالات التأليف إن التشاور مع عون لم ينتقل الى الأسماء بعد، وأن عون ربما يزيد من مطالبه في عدد الوزراء الموارنة والحقيبة السيادية للحصول على تراجع من رئيسي الجمهورية والحكومة عن مبدأ استبعاد باسيل لأنه لم ينجح في الانتخابات. وقالت المصادر المواكبة انه يفترض ترقب دور ل «حزب الله» مع عون من أجل تليين موقفه خصوصاً أنه كان تعهّد بتسهيل الأمور مع «التيار الوطني الحر».