عنوان هذه المقالة هو عنوان كتاب للدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، وقد صدر حديثاً عن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) في الرباط مع ترجمتين له بالانكليزية والفرنسية وترجمة الكتب التي تنشرها المنظمة إلى اللغتين الانكليزية والفرنسية هو منهج اعتمدته في نشرها للكتب القيّمة التي تصدر عنها. يقول المؤلّف في مقدمة كتابه هذا: «لقد علّمنا التاريخ الثقافي والحضاري للأمم والشعوب، أن في ازدهار اللغة ازدهاراً للحياة العقلية والثقافية، وتقدماً في مضمار العلوم والفنون والآداب، وأن في قوة اللغة قوةً للأمة الناطقة بها، وأن اللغة تكتسب قوتها من إبداع أهلها بها، ومن تفوقهم في هذا الإبداع الذي يشمل نواحي الحياة العامة، وعكس ذلك يكون ضعف اللغة ضعفاً للأمة الناطقة بها، ويسري هذا الضعف إلى مفاصل المجتمع كله، وإلى مرافق الحياة جميعها، فيكون التراجع الذي قد يؤدي إلى العجز الثقافي والحضاري وجمود الحياة. ولقد جرى على اللغة العربية ما جرى على لغات أخرى، إذ تراجعت وأصابها الضعف والهزال عبر أحقاب متطاولة، إلى أن دبت فيها الحياة مع الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، حين نشطت حركة التأليف باللغة العربية بعد ركود طال قروناً، وتأسست المطابع وصدرت الجرائد والمجلات، ونشرت مؤلفات باللغة العربية في مختلف فروع الثقافة، وظهرت معاجم عربية ، وبدأت مع مطلع القرن العشرين تجربة نشر دوائر المعارف، وأنشئت الجامعات بعد إنشاء المدارس، ثم أعقب ذلك كله تأسيس المجامع اللغوية التي تعنى بتطوير اللغة العربية وتطويعها لتستجيب لمتطلبات النمو الذي تعرفه المجتمعات العربية، هذا فضلاً عن اتساع رقعة الاهتمام باللغة العربية خارج ديارها من قبل الشعوب الإسلامية المرتبطة دينياً بلغة القرآن الكريم، ومن طرف دوائر الاستشراق ، ومعاهد البحوث والدراسات والجامعات التي بها أقسام تعنى بلغة العرب وبتراث المسلمين، بغض النظر عن الدوافع التي تكمن وراء تلك العناية. وبذلك ازدهرت سوق اللغة العربية فعرفت نمواً مطرداً وتطوراً متواصلاً وانتشاراً واسعاً. ومع تصاعد حركة العناية باللغة العربية، وتنامي الإنتاج الأدبي والثقافي والعلمي بها، وانتشار التعليم والصحافة والإعلام الناطق بالعربية داخل العالم العربي وخارجه، وتزايد أعداد الدارسين لها من غير العرب في أصقاع شتى من الأرض، استرجعت لغة الضاد جزءاً مهماً من مكانتها في المجتمعات العربية والإسلامية بصورة عامة، حتى أصبحت إحدى اللغات العالمية الست المعترف بها في منظمة الأممالمتحدة ، وصدر من منظمة «يونيسكو» في 2012 إعلان اليوم الثامن عشر من كانون الأول (ديسمبر) يوماً عالمياً للغة العربية، وهذا مكسب عظيم نالته لغتنا، وفوزٌ كبير ظفرت به على الصعيد العالمي، مما يلقي على عاتقنا مسؤولية جديدة هي مضاعفة الجهد في الحفاظ على قوة اللغة العربية وحيويتها وقدرتها على مواكبة متغيرات العصر، وعلى تعزيز مكانتها وإثبات حضورها، ليس في العالم العربي الإسلامي فحسب، بل في العالم أجمع، وعلى النهوض بها على جميع المستويات لتستأنف الدور المؤثر النابض بالحياة الذي قامت به في إغناء الحضارة الإسلامية التي كانت مصدراً لتطور الحضارة الإنسانية المعاصرة». ويضم كتاب المؤلِّف موضوع هذه المقالة بحثين مهمين جداً للمهتمين بشؤون اللغة العربية العزيزة لغة القرآن الكريم، والحديث الشريف، والتراث الأصيل، والثقافة الإسلامية الراقية، العزيزة على قلب كل مسلم، وقد قدم المؤلّف البحثين المذكورين إلى المؤتمر الثامن والسبعين والمؤتمر التاسع والسبعين لمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة (2012) وسنة (2013). أما البحث الأول منهما، فقد عنونه ب «ملامح من الأزمة اللغوية»، وتحدث فيه عن ملامح الأزمة اللغوية التي يعيشها العرب في هذه المرحلة من تاريخهم المعاصر. وتوقف ملياً في الإشارة إلى الحالة التي وصل إليها التعليم في أغلب دول العالم العربي، من حيث الضعف وقلة الجودة ومحدودية الأثر، بما ينعكس سلباً على أوضاع تعليم اللغة العربية وعلى مواقف المجتمعات العربية إزاءها. وأما البحث الثاني منهما، فقد عنونه ب «مشاكل اللغة العربية» واستهل الكلام فيه بالقول: «اللغة جزء من كيان الأمة، وليست اللغة جزءاً منفصلاً عن كيان الأمة الناطقة بها، فالعلاقة بينهما علاقة عضوية وثيقة، فسلامة هذا الجزء من سلامة الكيان المرتبط به، ولذلك فإن اللغة العربية التي ترتبط بالأمة العربية وبالشعوب الإسلامية التي تتكلم اللغة العربية روحياً وثقافياً، باعتبارها لغة القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، ولغة العبادات، ولغة التراث الإسلامي الذي تعتز به هذه الشعوب، وتستمد منه هويتها وخصوصيتها الروحية والثقافية والحضارية... وإن اللغة العربية ليست لغة العرب والمسلمين فحسب، بل هي لغة عالمية ذات انتشار واسع في مختلف أقطار الأرض، ولئن كانت اللغة العربية بهذا الشمول وبهذا العمق وبهذا الامتداد، فإن مصدر قوتها ونمائها وازدهارها ورقيّها وتفتحها، يظل دوماً مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمستوى الثقافي والحضاري والعلمي الذي وصلت إليه الأمة العربية الإسلامية، فبقدر قوة الأمة تقوى اللغة، وبقدر ضعفها تضعف، فاللغة جزء لا يتجزأ من كيان الأمة». خلاصة القول أن هذا الكتاب القيّم يقدم حلولاً لمشكلات عويصة تعاني منها لغة الضاد في هذه الفترة المتأخرة من تاريخ العالم العربي والأمة الإسلامية، وأن كل مخلص لأمته العظيمة ليسعد حين يطّلع على ما جاء في هذا الكتاب من الآراء العلمية والطروح الثقافية العالية التي تمثل ذروة الشعور بالمسؤولية من أحد أصحاب المقامات الرفيعة من العلماء والأدباء الذين يتولون إدارة الأعمال في الهيئات والمؤسسات الثقافية العربية والإسلامية التي يعتز بها كل غيور على حاضر الأمة ومستقبلها.