أعربت وزارة الخارجية التونسية السبت عن «استنكارها وعميق استيائها» لما وصفته ب «التصرفات اللامسؤولة» لمتظاهرين هاجموا الجمعة مقر السفارة الأميركية في العاصمة تونس، مؤكدة ثقتها بأن العلاقات بين تونس وواشنطن «لن تتأثر» بما حدث من «أعمال هوجاء». وأضافت الوزارة في بيان انها على «ثقة تامة» أن هذه «التصرفات اللامسؤولة (...) لن تؤثر على علاقات الصداقة» بين تونسوالولاياتالمتحدة. وتابع البيان «أن السلطات الأمنية التونسية ستظل حريصة على تأمين كل مقرات السفارات والبعثات الاجنبية بتونس ولن تتوانى عن اتخاذ كل التدابير اللازمة للحفاظ على امنها وسلامة موظفيها». وفي الإطار ذاته، قال الرئيس التونسي منصف المرزوقي إن «استفزازات» المجموعات الدينية المتشددة في بلاده «قد تجاوزت الخط الأحمر»، وذلك في أول تعليق له على مواجهات مقر السفارة الأميركية. وطالب المزورقي في خطاب توجه به إلى التونسيين عبر التلفزيون الرسمي، الحكومة بأن «تتحمل مسؤوليتها كاملة في وقف هذا الخطر (السلفي) الداهم الذي أصبح لا يهدد فقط حقوقنا وحرياتنا التي اكتسبناها بعد صراع طويل وإنما أيضاً علاقاتنا الدولية وصورة بلادنا في الخارج ومصالحها الحيوية». ودعا التونسيين إلى «إدانة هذه المجموعات (السلفية) التي تريد أن تفرض قانوناً فوق قانون الجمهورية وتفويت الفرصة على كل دعاة الفتنة من أي جهة كانت والتمسك بالهدوء وضبط النفس حتى نواصل بناء مؤسساتنا وإحلال الاستقرار والأمن وكلها الشروط الضرورية لتقدم بلادنا ورفاهتها». وذكر بأن التيارات الدينية المتشددة «تسعى منذ شهور للضغط على المجتمع والدولة لفرض ما لا تستطيع فرضه بالحجة أو بورقة الاقتراع». وقال المرزوقي «أصدرت أوامري لوزير الدفاع وقيادة الجيش وطلبت من وزير الداخلية أخذ كل التدابير والإجراءات لحماية الجمهورية والثورة ونظامنا الديموقراطي وصورتنا ومكانتنا بين الشعوب الحرة والصديقة وذلك في إطار احترام القانون والقيم التي ناضلنا دوماً من أجلها». وأضاف: «كنا سنتفهم غضب المتظاهرين ونشاركهم إياه لو اكتفوا بمظاهرة سلمية في إطار ما يضمنه القانون كحق من حقوق التونسيين في دولتهم الديموقراطية الجديدة. أما أن يدمروا ويحرقوا ويحاولوا الاعتداء على ممثلي دولة صديقة هم في ضيافتنا وفي حمايتنا فهذا أمر مدان بمنتهى الشدة ومرفوض جملة وتفصيلاً». وتابع: «أكدت لي (وزيرة الخارجية الأميركية) السيدة هيلاري كلينتون في مكالمة هاتفية هذا الظهر على إدانتها المطلقة وإدانة الحكومة الأميركية والرئيس (الأميركي باراك) أوباما شخصياً للفيديو الحقير الذي تسبب في هذه الأزمة». ومضى يقول مخاطباً التونسيين «أعلمكم أننا بدأنا إجراءات رفع قضية دولية ضد المتسبب في الإساءة للرسول الكريم أسوة بالأشقاء المصريين وبالتنسيق معهم». ولفت إلى أنه «لا الحكومة الأميركية ولا الشعب الأميركي يتحمل أدنى مسؤولية بخصوص تصرفات أشخاص يسيئون لبلدهم قبل أن يسيئوا لبلدنا لأن خلطاً كهذا يعني أنه يحق للأميركيين مؤاخذة الحكومة التونسية أو الشعب التونسي بجريرة تونسيين يرتكبون عمليات إجرامية أو إرهابية». وفي سياق متصل، قال خالد طروش الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية لوكالة الانباء التونسية إن قوات الأمن داهمت مساء الجمعة منزل الشيخ «أبو عياض» زعيم تنظيم «ملتقى أنصار الشريعة» وهو التنظيم السلفي الأكثر تشدداً في تونس، من دون أن تعثر عليه. ووفق الناطق الرسمي فإن وزارة الداخلية «لن تتوانى عن إيقاف كل من له علاقة بهذه الاعتداءات بالتحريض والمشاركة». وصرح وزير الداخلية علي العريض للتلفزيون الرسمي التونسي بأن المجموعات الدينية المتشددة «أعوزتها الحجة فاستعملت القوة» وأنها تعمل على «إكراه الناس على أشياء بالقوة»، قائلاً «نحن ضد هذا المشروع (السلفي) المطروح وضد تصوره المجتمعي وضد منهجه» القائم على العنف. وحذر من أن الجماعات السلفية المتشددة «تغرر بشبابنا»، معتبراً أنه «لا بد من مواجهة هذا الغول». وأشار إلى أن مواجهة التيار السلفي المتشدد «ستكون فيه خسائر». وانتشرت قوات من الجيش التونسي السبت قرب السفارة الأميركية، في وقت أعلنت وزارة الصحة حصلية جديدة للمواجهات حولها وهي أربعة قتلى و49 جريحاً. وقال ناطق باسم وزارة الصحة لوكالة «فرانس برس»: «قتل ثلاثة متظاهرين بالرصاص وقضى الرابع بسبب دهسه بسيارة، وأصيب 49 آخرون بجروح إصابات تسعة منهم خطرة». وأضاف أن بين الجرحى أكثر من 20 شرطياً. وكانت حصيلة سابقة الجمعة أفادت بمقتل شخصين واصابة 40 بجروح. وكان محيط السفارة الأميركية بحي ضفاف البحيرة شمال العاصمة التونسية شهد الجمعة صدامات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين ينتمي معظمهم للتيار السلفي، كانوا يحتجون على الفيلم المسيء للإسلام الذي تم انتاجه في الولاياتالمتحدة. واستخدمت قوات الامن الرصاص الحي حين اقتحم متظاهرون مبنى السفارة واضرموا النار وخربوا مباني تابعة للمدرسة الاميركية المجاورة للسفارة. من جانب آخر، جرت مناوشات بين شبان وسلفيين في حي التضامن غرب العاصمة التونسية، وفق ما أفاد أحد السكان قال «إن شبانا هاجموا بالحجارة سلفيين ما اضطرهم للفرار». وأضاف المصدر ذاته أن حافلات أصيبت ببعض الاضرار وتعطلت لفترة حركة المرور وحضرت قوات الأمن من دون أن تتدخل.