«مدد مدد يا سيدي، أبو بكر البغدادي، يا حاكم بأمر الله، يا ناصر لشرع الله، يا سايق عباد الله... على هاوية وما بعدها هاوية» تقول الأغنية التي أطلقتها فرقة «الراحل الكبير» في مسرح «مترو المدينة»، مستثيرة حماسة الجمهور وتصفيقه وحاصدة أكثر من 7 آلاف مشاركة على يوتيوب بعد يومين فقط من إطلاقها. وبين تنسيق دولي لضرب تنظيم «دولة العراق والشام» (داعش) الارهابي، وتهديد الأخير بلدان المنطقة بأنه «باق ويتمدد»، تبرز بيروت كبقعة ضوء أخيرة في هذا المحيط المضطرب. وإن كانت فسحات الامل تضيق يوماً بعد يوم وتكاد تُطبق على الأنفاس، يبقى في شارع الحمرا تحديداً، بعض الهوامش للسخرية وإعلاء الصوت ضد الانظمة القمعية والانتصارات الوهمية والثورات المنحرفة عن مسارها... وصولاً إلى النيل من ابو بكر البغدادي نفسه. وتنتقد الأغنية وبأسلوب ساخر ولحن يقارب الاناشيد الدينية، تحريف تعاليم الاسلام ونزع معانيه الاولى لتبرير القتل والذبح والتفجير، كأن تقول «عشان الإسلام رحمة رح ندبح ونوزع لحمة، وعشان نخفف زحمة حنفجّر في خلق الله» قبل أن تعود وتهزأ من الفتاوى التي نسبت الى «داعش» كتغطية أثداء البقر فيصدح صوت طربي ليعلن «انا لو كنت بقرة... كنت ألبس سوتيان». و «الراحل الكبير» فرقة تضم مجموعة من الشباب الناشطين سياسياً والمنخرطين في قضايا المنطقة منذ الثورة المصرية وصولاً الى العمل المباشر مع اللاجئين السوريين في لبنان. وهم عازف العود عماد حشيشو والبزق عبد قبيسي والرقّ علي الحوت، بالاضافة الى ساندي شمعون التي بدأت تخط اسلوبها في اعادة إحياء أغاني الشيخ امام، ونعيم الأسمر المتخصص في الغناء الكلاسيكي. ويجمع قائد الفرقة خالد صبيح، بين عمله كصحافي في وكالة أنباء وهواية موسيقية عززها بدراسة الانشاد الديني. ويقول ل «الحياة» «نحن أولاد هذا الواقع، وخلفياتنا الشخصية ودراساتنا تُثري مضمون عملنا الذي يضم مروحة واسعة من الانتقادات وتبدأ من نشرات الأخبار التي ما عادت تكترث لأعداد الضحايا ما لم تقض على شخصية مهمة، وصولاً الى الانتصارات الوهمية». أما عن «مولد البغدادي» وهي الأغنية التي اثارت الاعجاب والنقاش في آن، فهي وفق صبيح طرحت نفسها بقوة لأن الاعلام يركز على الموضوع، ولأن المشكلة مثل «داعش» نفسها، قطعت الحدود. وإذ يشدد صبيح على «عدم التقليل من شأن أي مقاومة» و «عدم الاساءة الى الاسلام» رداً على بعض الانتقادات، يلفت «الدرويش» كما يطلق عليه، الى تناول أغاني الفرقة مواضيع كثيرة منها مثلاً شخصية الانتحاري الذي يوصف غالباً بأنه مهذب وخجول لكنه لا يتوانى عن القتل، والاضطراب النفسي الذي يعانيه الشباب العربي بسبب ما يعيشونه من عنف يومي وظلم واستبداد أنتجت حالات تطرف ديني بلغت ذروتها مع «داعش». وفي سياق مديح «الراحل الكبير» وصف كثيرون الفرقة الناشئة بأنها «شيخ إمام» الزمن الحديث، وقد يكون في ذلك بعض الدقة لجهة اختيار المواضيع والاسلوب الساخر الذي لا يوفر ظاهرة أو حدثاً إلا ويشمله بنقده مع موسيقى متقنة لا تُعلي الترفيه على حساب المضمون. لكنها أيضاً صرخة جيل كامل أحبطته الأنظمة والثورات معاً، وضاقت عليه بلدانه، فلم يبق له إلا «أنفاق المدينة»، فسحة للتعبير بالضحك والموسيقى عن ذلك الألم.