لا يبدو أن السعوديين والأميركيين سيتخلصون بسهولة من آثار إرهاب القرن الذي هز العالم أجمع في11 أيلول (سبتمبر) 2001، إلا أن رغبة الفريقين في تجاوز تلك الآثار انعكست في تطورات عدة، لمسها اختصاصيون وسعوديون قارنوا بين ماضي التعامل الأميركي وحاضره في الذكرى ال11 للحدث. وكان لافتاً أن السفير الأميركي الحالي في الرياض جيمس بي. سميث، أدى قسم مهمته الجديدة في 16 الشهر المشؤوم نفسه، في العام 2009. ومع أن السفارة نفسها رفضت التعليق عمّا إذا كانت لمهمته علاقة بتجاوز آلام تلك الأحداث، إلا أن سعوديين ربطوا بين الأمرين. فبالنسبة إلى صاحب مكتب تأشيرة الرياض عبد الله السديري، فإن «أسلوب تعامل السفارة الأميركية مع طلبات السعوديين للتأشيرة اختلف بشكل جذري في عهدها الجديد عمّا كان عليه في السابق». السديري الذي أمضى 17 عاماً وسيطاً في إنجاز تأشيرات السفر إلى أميركا ودول غربية عدة، أضاف «في بداية الأمر اتسم عملهم بالعشوائية في التقدير والتقرير، ثم اكتشفوا أن الشعب طيب ومسالم وليست له أي قضية مع الشعب الأميركي، ولا بالمشكلات والحروب، وفي الوقت الراهن لا يتجاوز الأمر يومين إلى أربعة أيام بالنسبة للسعوديين، وشهراً كحد أقصى غالباً للأجانب المقيمين في المملكة». وفي داخل أميركا لا يختلف الأمر كثيراً عن التفاوت الذي نشأ في تعامل السفارة، كما يقول السديري نفسه: «قبل خمس سنوات ذهبت إلى أميركا مع زملاء وحققوا معنا ساعات عدة. الآن الأمر مختلف تماماً»، ودائماً يفسر ذلك بأن الأميركيين «اكتشفوا حقيقة الشعب السعودي». أما أجمل ما في «التأشيرة» الأميركية في نظر السديري، فهو أنه حتى وإن تأخرت أسابيع مثلما يحصل في حق البعض خصوصاً غير السعوديين، فإنهم «أثناء المقابلة غالباً يخبرونك بالحقيقة. أنت مقبول أم أن هنالك عوائق». وعلى الجانب الآخر من المشهد، إذ يقصد مئات الطلاب السعوديين أميركا للدراسة، يقول مدير وكالة معاهد «ef» الدولية أشرف هاشم: «لاحظنا تسهيلات جيدة في الآونة الأخيرة، كان الحصول على تأشيرة لطالب يستغرق في السابق أشهراً لكنه الآن لا يزيد عن 20 يوماً إلى شهر. وفي أميركا ذهب المئات بواسطة معاهدنا ولم يواجه الدارسون فيها أي مشكلة تذكر». وبنشوة بالغة يتحدث الإعلامي السعودي حبيب الشمري الذي ذكر أن موظف السفارة ختم له التأشيرة وهو «واقف» في لحظة المقابلة نفسها، ويصف الصعوبات السابقة بأنها أصبحت من الماضي في عهد السفير الحالي. غير أن الصورة المثالية، تقابلها أخرى، حتى وإن لم تكن قاتمة إلا أنها ليست بالمستوى نفسه، فلا تزال هنالك إشكالات. وحين فتح القنصل الأميركي باب الأسئلة على صفحة السفارة بالرياض عبر «فايسبوك»، تلقى طلبات عدة، الشكاوى منها لا تمثل الغالبية إلا أنها موجودة، فهذا محمد يحيى خوجه، يخاطب القنصل بالقول: «قمت بإتمام المقابلة الشخصية قبل ثلاثة أشهر للفيزا السياحية أنا وأمي وأبي، ومنحت أمي الفيزا خلال أسبوع إلا أن فيزتي أنا وأبي لا يوجد أي رد حتى الآن من طرفكم سوى إجراءات إدارية». بينما تشكو ريهاب الصبحي عبر النافذة نفسها، من أنها جاءت إلى السعودية لغرض الإجازة «وتفاجأت بإيميل من السفارة بأن فيزتي ألغيت، علماً أن فيزتي صالحة لغاية العام 2015، وحدد موعد للتجديد، وإلى الآن مضى أكثر من شهر لم أحصل على رد، علماً بأنني ادرس منذ سنوات هناك وابني أميركي ولا يوجد أي مشكلة دراسية أو أي شيء آخر. لم نجد سبباً ولم يتم الرد. لماذا تم إلغاء الفيزا، علماً أنه تبقى لي فصل دراسي لإنهاء دراستي وعودتي إلى أرض الوطن؟ أرجو التوضيح». وإذا ما أحيل التساؤل على الملف الحقوقي الأكثر حساسية، فإن رئيس «الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان» الدكتور مفلح القحطاني، أقر في اتصال هاتفي مع «الحياة» أن تحسناً واضحاً يجري، وأن «ديبلوماسيين أميركيين زارونا في الجمعية ووعدونا بمزيد من الإجراءات الإيجابية، إلا أن ذلك لا ينفي أنه لا يزال هناك بعض الآثار والقيود السلبية التي تركتها أحداث 11 أيلول (سبتمبر) يثقل كاهل عدد من المجالات». وأكثر المجالات التي جرى التحسن فيها بشكل واضح، وفق القحطاني كانت «تقليل فترة انتظار التأشيرة»، بينما يلخص الإشكالات القائمة حتى الآن في ما سماه «الشك المسبق في بعض السعوديين، والتعامل بانتقائية أحياناً معهم، إلى جانب القوانين التي أخذ بعضها طابعاً دولياً، وتؤثر في بعض جوانب حقوق الإنسان». وإذا كان العرب قديماً يقولون «عين الرضا عن كل عيب كليلة... كما أن عين السخط تبدي المساويا»، فإن سعوديين يتطلعون عبر تدويناتهم وتعليقاتهم، إلى يوم تنظر إليهم فيها أميركا بالعين الأولى، وتغمض الأخرى أكثر الأحيان، إن لم تغلقها في شكل نهائي.