جريمة شروع في قتل، تسبقها وتعقبها جرائم أخرى. أطراف عدّة في وضع المشتبه فيه. شبكة مصالح متعارضة، وصراعات على المرأة والمال. كل هذا يقدمه مسلسل «فرق توقيت» – من إخراج إسلام خيري وتأليف محمد سليمان عبد المالك - في حبكة بوليسية محكمة، تحمل غموضاً ومقداراً من التشويق. وهذا المسلسل القائم على مسارين زمنيين مختلفين، أحدهما يمثل الحاضر، وذروة الأحداث، والآخر يمثل تطورات الصراع والدراما (فلاش باك) عبر 14 شهراً تفصل زمنياً بين الخطين، يحكي قصة أسرتي علام وخاطر، اللتين تجمعهما القرابة والمصاهرة، والمتشاركتين في شركة إعلانات كبرى. وتبدأ الدراما من عودة سميح خاطر (ظافر العابدين) من الولاياتالمتحدة بطموحات جامحة تهدف لفصل الشراكة بهدف توسيع البيزنس، وهو الأمر الذي يلاقي رفضاً من والده (تميم عبد)، ومن أسرة منير علام (محسن محيي الدين) وابنيه ياسين (تامر حسني) وياسر (أحمد السعدني). ومن هنا يقرر سميح السيطرة على إدارة الشركة، عن طريق شراء أسهم صغار المساهمين بهدف الحصول على الحصة الأكبر ومن ثم عقد جمعية عمومية جديدة تنصّبه رئيساً لمجلس الإدارة. النساء محور للصراع يمتد الصراع في مسلسل «فرق توقيت»، ليطاول أيضاً العلاقات النسائية، فريهام (شيري عادل)، زوجة سميح، كانت حبيبة ياسين السابقة، بينما ليلى (نيكول سابا) طليقة طارق الشيمي (وليد فوّاز) تتزوج لاحقاً من ياسين، أمّا يارا (مي سليم)، البنت الشقيّة صاحبة التاريخ الطويل من الزيجات الفاشلة والعلاقات المشبوهة، وواحدة من صديقات ياسين، زير النساء، فهي تنتقم منه بسبب هجره لها، بأن توقع شقيقه ياسر في حبائلها، لتتزوجه وتدفعه لترك زوجته، وتدمر حياته، بجعله مدمناً، ثم بتحميله ديونها التي ستورثها له بعد مقتلها. يحمل العمل تشويقاً مصدره اتساع مساحة اللغز بمرور الحلقات، وظهور حقائق جديدة، وأدلة أو قرائن جنائية تغير مسار الأحداث مع كل حلقة، حيث تستبعد متهماً لتقترح آخر جديدا، خصوصا أن العمل لا يتناول فقط غموض محاولة قتل ياسين، بل هناك أيضاً مقتل الأب منير علاّم، أضف لذلك أن شخصية محقق المباحث أدهم (محمد ممدوح) كُتِبت ونُفِّذت ببراعة، فهو بينما يفرض سطوته وهيبته على أغلب من يحقق معهم، يبدو حائراً ومحبطاً بسبب عدم توصله للحقيقة الكاملة، ووسط انشغاله بالبحث في القضية، تتجلى علاقته المتوترة بزوجته، وهو الأمر الذي يصبغ الشخصية ببعد إنساني محبب يراوح بين القوة والضعف. لكن يبقى السؤال هنا: هل يكمن جمال العمل – أي عمل - فقط في تعقيد الأحداث؟ هل حمل المسلسل أي رهان فني؟ هل هناك تجديد من أي نوع؟ هل تجاوز القائمون على العمل فكرة إنتاج مسلسل يحمل التوليفة التجارية النموذجية؟ يبدو بالنسبة إلينا ان الإجابة على هذه الأسئلة هي: لا. لذلك سنترك الإسئلة الماضية ونعتبرها نوعاً من التحامل، لنصيغها بشكل مختلف: هل كانت تلك القصة البوليسية كما يذهب البعض، واحدة من أجفضل الحبكات البوليسية هذا الموسم وأكثرها إثارة؟ أزعم أن السيناريست (محمد سليمان عبد الملك) كتب أعمالاً أكثر إحكاماً وجاذبية وكان آخرها في رمضان الماضي. أما المراهنة على أسماء لها جماهيرية كاسحة من نوعية تامر حسني وشيري عادل ونيكول سابا وحتى الموهوب وليد فوّاز فإنها لا تساهم سوى في تحويل المسلسل إلى منتج يهدف منتجوه إلى الربح المادي فقط، من دون إضافة أي قيمة فنية. وجبات سريعة الحقيقة ان التناول النمطي المطروح في «فرق توقيت» يحيل المسلسل إلى نوع من الوجبات السريعة، حيث البطل تقليديّ بصيغة كلاسيكية تعكس مدى تكلّس الطرح وزاوية الرؤية التي يقدمها العمل. فالبطل هنا هو السوبر هيرو، ينبوع الخير الذي يوزع ابتساماته ومشاعره على الجميع، ويحلّ مشاكل أصدقائه قبل أن يحل مشاكله، حتى أنه يتبرع بفص من كبده لابنة صديقه، بالإضافة إلى أنه وسيم وثري وجذاب للنساء، ولاينقصه إلا أن يتلقى رسالة السماء ليتحول إلى نبي أو قديس. والأدهى من هذا أن من قام بتجسيد دور البطل الكليشيه، المغني تامر حسني، بدا فقيرا على المستوى التمثيلي، ولايمتلك بطبيعة الحال ذلك الإشعاع وتلك الهالة الجاذبة المحيطة بالرجل الذي يفترض به أن يكون معشوق الفتيات. ولكن رغم سطحية العديد من الشخصيات في المسلسل، وما تحمله من رؤية لا تبدو فنية بقدر ما تبدو للاستهلاك السريع، فإن العمل لا يخلو من شخصيات حمل تطورها الدرامي نوعا من المنطقية، إذ خالط تلك الشخصيات لمسة الضعف الإنساني الطبيعية، الكامن في المسافة الفاصلة بين الأبيض والأسود، الإنسان العادي بخيره وشره، مثل طارق الشيمي (وليد فوّاز) الذي يحب طليقته لدرجة تدفعه لارتكاب كل الحماقات بغية استرجاعها، لكن لأنه يجنح قليلاً ناحية الشر، فهو بالضرورة مدمن على الخمر، والكوكايين (في هذا العمل الأنقياء لا يشربون الخمر ولا يدخنون السجائر، بينما يحتسي الأشرار الخمر ويدخنون السجائر ويتعاطون المخدرات!). إلى جانب هذا النوع من الطروحات، حمل فريق العمل تبايناً في أداء أفراده، بينما قدم وليد فوّاز والتونسي ظافر العابدين والرائع محمد ممدوح أدوارهم ببراعة، وبالمثل يفعل محسن محيي الدين وشيري عادل، وحتى بعض الشخصيات الثانوية مثل مروج المخدرات، أو سائق أسرة علام، في المقابل يبدو المطربون الثلاثة في العمل: تامر حسني، نيكول سابا ومي سليم – ورغم تجاربهم السابقة – في مستوى لايليق بأبطال مسلسل يعرض في موسم الدراما الرمضانية وحظي بمتابعة كبيرة.