فاز الكاتب والمناضل السياسي السوري ياسين الحاج صالح بجائزة الأمير كلاوس، إحدى أهم الجوائز الأوروبية التي تكافئ المفكّرين والكتّاب في البلدان التي تعاني «نقصاً في فرص الحرية» وفق نظامها. وفي مخبئه السرّي، في المنفى المفروض عليه داخلياً، هرباً من قمع السلطة وخوفاً من التعرّض للخطف أو السجن والقتل، تلقّى الكاتب المعارض خبرَ هذا الفوز بالجائزة الهولندية التي مُنحت سابقاً للشاعر محمود درويش وأسماء ومنظمات أخرى، عربية وعالمية. جاءت هذه الجائزة لترفع كثيراً من الغبن الذي حلّ بهذا الكاتب والمفكّر، بعدما عانى طويلاً داخل السجون السورية، واضطُهد ولوحق وعُذّب، مثله مثل سجناء الرأي، وما أكثرَهم في ظل نظام حزب البعث. وأصابت «براءة» الجائزة عندما وصفت صالح ب «الصوت الذي يمثل التحليل الحكيم والهادئ للثورة السورية، والذي يقدّم استبصارات واسعة في شتى المجالات، السياسية والاجتماعية والثقافية، سورياً وعربياً». فهذا الكاتب الذي سُجن نحو 16 عاماً في أقسى الزنزانات السورية، عرف كيف يحافظ على وعيه السياسي، الذي راح يعمّقه طوال تلك الأعوام الحالكة، مكبّاً على القراءة بنهم شديد. تمكَّنَ صالح في سجنه من مواجهة بطش النظام البعثي، وعوض أن يستسلم لآلته الجهنمية، راح يقاومه فكراً وثقافة، قارئاً كلّ ما أتيح له من كتب في السجن. جعل صالح من تجربة الأسر القاسية تجربة ثقافية، وعندما خرج اكتشف أن الشاب الذي دخل السجن في العشرين من عمره العام 1980، أصبح شخصاً ناضجاً بعدما بلغ السادسة والثلاثين. كان طالباً في كلّية الطب عندما قبض عليه جهاز الاستخبارات بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي، لكنّه وجد نفسه يخرج من السجن حاصلاً على شهادة شخصية في الفكر السياسي. لم تكرّم جائزة كلاوس هذه السنة ياسين الحاج صالح وحده، بل كرّمت جميع سجناء الرأي في سورية، الذين ماتوا داخل السجن تحت وطأة التعذيب، والذين ماتوا خارجه بعدما أمضوا فيه ردحاً من شيخوختهم، وكذلك الذين ما زالوا داخل السجون، منتظرين لحظة الحرية التي تعدهم بها الثورة. ياسين الحاج صالح، كاتب ومفكر ذو منهج فريد في التحليل السياسي والاجتماعي، تناول أبرز القضايا التي تشهدها الساحة السورية والعربية في فترة ما قبل الثورة وخلالها، وتعمّق في قراءة الكيان والهوية، وفي نقد النظام السياسي الأمني، الذي وصفه ب «النظام الذي يسير على قدم واحدة»، كما يشي عنوان أحد كتبه، وتطرّق الى واقع الاقتصاد والمجتمع، والأيديولوجيا «الرسمية» والثقافة والحياة اليومية. ولعلّ مقالاته، التي ما برح يكتبها في مخبئه السرّي، تمثل فسحة للتأمل والتحليل والقراءة الهادئة لأبعاد الثورة ووقائعها. ولعلّ هذه المقالات، التي يطل بها عبر الانترنت سلاحاً وحيداً في عزلته، بات ينتظرها كثيرون من القراء، تبعاً لما تتميز به من عمق وجرأة. وفي ملجئه السريّ، وصف صالح فوزه بالجائزة في تصريح عبر الانترنت إلى وكالة «فرانس برس» قائلاً: «أظن أنها تكريم للشعب السوري والثورة السورية، وبهذه الصفة هي جائزة عظيمة، ويسعدني أن فيها ما يهين النظام القاتل». ومن الفائزين في هذه الدورة بالجائزة في أقسامها الأخرى: سامي بن غريبة الناشط التونسي على الانترنت، والمخرجة الجزائرية حبيبة جيهاني، والاردنية وداد كوار العاملة في حقل الآثار والتراث... وأسماء اخرى من الارجنتين والمكسيك وكينيا وكمبوديا والصومال.