نيقوسيا - أ ف ب - شهد 22 من حزيران (يونيو) 1986، لحظة عبقرية لا تنسى في تاريخ كأس العالم. الكرة تصل إلى القدم اليسرى للاعب صاحب القميص رقم 10، فيلتف بها ويتوجه كفارس مغوار يشق دربه بخفة وثقة وشجاعة بين صفوف محاربي الطرف المنافس، تاركاً إياهم يلهثون خلفه بحنق لقلة حيلتهم، وبحسرة على مهارة وبأس وهبهما الله لذلك الشاب. وبعد تهاوي المقاتلين الخمسة كأوراق أشجار صفراء في مهب الريح، فك الفارس الجسور طلاسم السد المنيع الأخير، تاركاً حارس القلعة ملقى على الأرض يفكر في مجد ولى، قبل أن يهز عرين الإمبراطورية بلمسة خفيفة من يسراه. أكدت تلك الثواني العشر التي استغرقتها تلك الحملة الشجاعة مكانة دييغو أرماندو مارادونا كأسطورة لن تنسى في قلوب الأرجنتنيين، اذ نجح الفتى الذي ولد في مقاطعة لانوس في العاصمة بوينس أيرس في رد اعتبار سكان بلاد الفضة أمام الإنكليز، الذين احتلوا جزر الفولكلاندز قبل أربع سنوات من ذلك. وبعد أكثر من 22 عاماً على ذلك التاريخ، تخلى مارادونا عن عزلته الكروية ليلبي مجدداً نداء الوطن، لكنه لم يعد هذه المرة لاعباً، بل مدرباً يحمل آمال أكثر من 40 مليون أرجنتيني بقيادة جيل موهوب من اللاعبين، لتحقيق كأس العالم بعد طول غياب. لكن ذلك الحلم قد يوأد في مهده، نظراً للصعوبات التي يواجهها مارادونا ومنتخب التانغو في تصفيات كأس العالم، ما قد يبعد الأرجنتين عن المشاركة في أكبر عرس كروي عالمي للمرة الاولى منذ فشلها في التأهل لكأس العالم 1970 في المكسيك. الجماهير تفاءلت خيراً حين تم تعيين فتى الأرجنتين الذهبي مدرباً للمنتخب الوطني في نهاية تشرين الاول (أكتوبر) من عام 2008، بديلاً لألفيو بازيلي المستقيل. وبدأ الجميع يحلم بالبطولات مع وجود مجموعة من أفضل اللاعبين في العالم، يقودهم اسم اسطوري ما زال يتغنى الجميع بأمجاده. بداية عهد مارادونا مع المنتخب الأرجنتيني كانت مثالية. فبعد فوزين وديين أمام اسكتلندا بهدف وفرنسا بهدفين، تجاوز منتخب التانغو نظيره البوليفي برباعية نظيفة في التصفيات التأهيلية، لتضع وسائل الإعلام الأرجنتين كأقوى مرشح للفوز بكأس العالم، خصوصاً أن منتخبها كان الأفضل أداء في البطولة السابقة في ألمانيا. لكن الأصوات التي علت عادت لتخبو في الأول من نيسان (أبريل) من هذا العام، بعد أن تجرعت الأرجنتين خسارة مذلة وقاسية أمام بوليفيا المتواضعة بنتيجة 6-1، هذه النتيجة لم تحدث سوى مرة واحدة فقط من قبل في تاريخ الكرة الأرجنتينية وكانت قبل 51 عاماً، حين فازت تشيكوسلوفاكيا عليها في كأس العالم 1958 في السويد. لاعبو المنتخب أكدوا أن هذه لم تكن سوى عثرة لن تتكرر، لكن القلق عاد ليخيم بعد الانتصار غير المقنع على كولومبيا بهدف وحيد. فعلى رغم أهمية النقاط الثلاث، إلا أن الأداء كان من أسوأ عروض المنتخب في السنوات الأخيرة، ما أثار سخط مارادونا. وفي ظل هذا التلكؤ، توجه منتخب الأرجنتين لمواجهة الإكوادور في كيتو، وحصل منتخب التانغو على ركلة جزاء، إلا ان كارلوس تيفيز أهدرها، قبل أن يتمكن الإكوادوريون من تسجيل هدفين متأخرين، ليصبح منتخب «لا تري» في المركز الخامس، وعلى بعد نقطتين فقط من الأرجنتين صاحبة المركز الرابع والأخير المؤهل تلقائياً لجنوب أفريقيا 2010. وأدت هذه الخسارة إلى تزايد القلق الجماهيري حول عدم قدرة منتخب مارادونا على التأهل إلى كأس العالم. هذا الأمر قد يبدو مبرراً نظراً للقاءات العصيبة التي تنتظر منتخب التانغو في مبارياته الأربع المتبقية من التصفيات. البداية ستكون أمام المنافس التقليدي والأزلي ومتصدر الترتيب المنتخب البرازيلي، وإن لم يكن التنافس التاريخي بين الطرفين كافياً لتعقيد مهمة كتيبة مارادونا، فإن النتائج تؤكد تفوق البرازيل في المواجهات المباشرة الأخيرة بين الطرفين، بعد فوز «سيليساو» بأربعة من اللقاءات الستة التي جمعتهما مع انتهاء ثلاثة منها بفارق ثلاثة أهداف. يلي ذلك رحلة صعبة إلى أسونسيون لمواجهة ثالث الترتيب منتخب الباراغواي، الذي نجح في خطف التعادل ذهاباً في الأرجنتين. كما أن اخر فوز لمنتخب التانغو على أرض الباراغواي يعود لأكثر من 12 عاماً مضت. جماهير الأرجنتين قد تتنفس الصعداء حين يواجه منتخبها البيرو التي تتذيل الترتيب، لكن ختام التصفيات سيكون صعباً جداً بالنسبة لمارادونا، الذي سيصحب لاعبيه إلى مونتيفيديو للقاء الأوروغواي في احدى أقوى المواجهات الكلاسيكية في الكرة العالمية، لكن هل يمكن لأحد أن يتخيل كأس عالم من دون الأرجنتين؟ تلك ستكون صدمة كبيرة لكل محبي الكرة الجميلة حول العالم. فالأرجنتين باتت تمثيلاً للأداء الساحر في السنوات الأخيرة، والفضل في ذلك يعود لجيل موهوب من اللاعبين يشكلون توازناً مميزاً بين المهارة الاستثنائية لليونيل ميسي، كارلوس تيفيز، وسيرجيو أغويرو، والقوة والأداء الرجولي والتكتيكي للاعبين مثل خافيير ماسكيرانو، نيكولاس بورديسو، وسيباستيان باتاغليا، إضافة للخبرة الكبيرة للاعبين مثل خافيير زانيتي وخوان سيباستيان فيرون. من ناحيتهم، يحاول المتفائلون النظر إلى الجانب الإيجابي، ومقارنة المصاعب التي تواجهها الأرجنتين في هذه التصفيات بتلك التي مرت بها البرازيل في تصفيات كأس العالم عام 2002، والتي انتهت بحمل زملاء رونالدو للقب البطولة في يوكوهاما. لكن وعلى رغم الانجازات والبطولات العديدة التي حققتها الأرجنتين على مستوى منتخب الشباب والمنتخب الأولمبي في السنوات الأخيرة، إلا أن اخر بطولة نجح المنتخب الأول في تحقيقها كانت لقب بطولة أميركا الجنوبية عام 1993 في الاكوادور، لذا فإن مارادونا يعلم أنه يجب أن يحاول قيادة منتخب بلاده إلى التأهل إلى كأس العالم إن كان يرغب في أن يتمتع الجميع بمهارة خليفته ليونيل ميسي، عله يقدم لنا لحظة تاريخية ولوحة فنية كتلك، التي رسمها مارادونا قبل أكثر من 23 عاماً في المكسيك.