في كتابه العمدة «القياصرة الأميركيون»، يسبغ نايغل هاملتون؛ كاتب السير والأكاديمي والمذيع البريطاني الشهير، على بعض رؤساء أميركا وصفه «الرئيس الذي بلغ في مرحلة لاحقة مستوى العظمة»، مثل فرانكلين روزفلت وهاري ترومان ودوايت أيزنهاور وجون كيندي ورونالد ريغان، في حين يصف آخرون مثل ليندون جونسون وريتشارد نيكسون وجورج بوش الابن، بالرئيس الذي «لُعن في مرحلة لاحقة». يتساءل المرء: لو قدّر اليوم لهاملتون إضافة فصل جديد في كتابه عن باراك أوباما، فما هو التعبير الذي سيستخدمه في وصفه؟ بالقطع لن يكون الرئيس الذي قارب مستوى العظمة، وربما أيضاً يكون الرئيس الذي لم تنتظره مرحلة لاحقة كي تحق عليه اللعنة، ذلك أنه بدا طريداً داخل بلاده وقد تبقى من ولايته الثانية نحو عامين ونصف عام، وبات السؤال: هل يلقى أوباما العزل على يد الكونغرس، أم يُطرد خارج البيت الأبيض بقرار قضائي؟ البداية كانت عبر مجلس النواب ورئيسه جون بوينر المقتنع بثقة لا حدود لها بأن أوباما تجاوز السلطات الممنوحة له دستورياً، وتخطى دور الكونغرس في قضايا رئيسة عدة. وربما لدى الرجل من القصص والأحاجي ما يرفض الكشف عنه للعامة، لا سيما إذا كان للأمر مردود سلبي على الأمن القومي الأميركي في الحال والاستقبال، مثل حادث بنغازي، ومقتل السفير الأميركي هناك، ومدى تورط إدارة أوباما في الأمر، سواء بالتقصير المباشر أو بعدم الإفصاح عن حقيقة ما جرى، وربما يتصل الأمر بعلاقات أوباما بتيار الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، وإلى أي حد قُدر لهم اختراق البيت الأبيض في عهده، والأضرار التي وقعت على أميركا نتيجة «إخوان- غيت»، لم يحن الأوان للكشف عن أبعادها. وفي مرحلة لاحقة، وبعد أشهر من حديث الجمهوريين عن محاكمة أوباما برلمانياً Impeachment تمهيداً لعزله، قرر الجمهوريون؛ كإجراء بديل، ملاحقة الرئيس قضائياً بتهمة تجاوز سلطاته، ومرروا قراراً في مجلس النواب بهذا المعنى. متى يتوجب على الكونغرس عزل الرئيس؟ وما الفارق بين السعي الى مقاضاة أوباما جنائياً ومحاكمته برلمانياً؟ وفق الدستور الأميركي، فإن السلطة الوحيدة القادرة على ذلك هي مجلس النواب، بعد إقرار مجلس الشيوخ، وفي الحالات الآتية: الخيانة، الرشوة، الجرائم العالية مثل شهادة الزور وإساءة استعمال السلطة لمصلحته الخاصة. والمحاكمة البرلمانية Impeachment إجراء رسمي يتم داخل الكونغرس (السلطة التشريعية) لمحاسبة الرئيس (السلطة التنفيذية) على مخالفة القانون، ما قد يمهد الى عزله. أما المقاضاة Suing فتتم من خلال السلطة القضائية. لماذا فضّل الجمهوريون مقاضاة أوباما على محاكمته برلمانياً؟ تقدّم الكاتبة الأميركية فرانسيس كيفر عبر صحيفة «كريستيان ساينس مونتور» ثلاثة أسباب وجيهة لذلك، أولها أن المقاضاة تسبب فوضى أقل في الكونغرس وفي البلاد، وثانيها أن المقاضاة لها احتمال أكبر للنجاح، والثالث أن المقاضاة أقل كلفة سياسية، ولن تنعكس ضد الجمهوريين عند الأميركيين الذين لا يؤيدون المحاكمة القضائية. على أن ما لم تقله فرانسين كيفر هو أن المقاضاة عبر المحاكم، تحفظ الأسرار الأميركية بعيداً من متداول العوام في الداخل، لا سيما الإعلام الأميركي محترف ترويج الفضائح، وفي الوقت ذاته يصون الأمن القومي، حال وجود أسرار خطيرة تهدد البلاد، الأمر الذي يرجحه بعضهم في حال أوباما تحديداً. وما بين العزل من طريق المحاكمة البرلمانية والمقاضاة أمام المحاكم يبقى السؤال: كيف ينظر الشعب الأميركي إلى الرئيس الذي تجرأ على الأمل؟ هل كان ذاك الأمل واقعياً حقاً أم مجرد شطحات رئاسية؟ «إن أوباما يلعب الغولف أكثر مما يعمل»، هذا ما أشارت إليه صحيفة «ذي نيويورك بوست» أخيراً، وهي أكدت أن أوباما يؤثر هذه اللعبة على أداء واجباته، وأنه لا يفوِّت فرصة للتهرب من أداء مهماته الرئاسية. هل لهذا يعتبر الأميركيون أوباما أسوأ رئيس منذ سبعين سنة؟ في أوائل تموز (يوليو) المنصرم أظهر استطلاع أجراه معهد الاستطلاع في جامعة كوينيبياك أن 33 في المئة من المستطلعة آراؤهم وجدوا أوباما أسوأ رئيس أميركي خلال السنوات ال 70 الماضية، في مقابل 28 في المئة لجورج بوش الثاني. عطفاً على ذلك قال 45 في المئة إنه كان من الأفضل للولايات المتحدة لو فاز الجمهوري ميت رومني في الانتخابات الرئاسية في 2012، في مقابل 38 في المئة رأوا عكس ذلك. لماذا يرى الأميركيون رئيسهم في هذه الحال؟ في نيسان (أبريل) الماضي أظهر استطلاع رأي أجرته قناة «فوكس نيوز» الأميركية أن 60 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن أوباما غشَّهم في أهم القضايا، ويبدو أن قضية القنصلية الأميركية في بنغازي لعبت دوراً بالغ الأهمية في فقد أوباما ثقة الأميركيين، فهو وعد برد حاسم على الهجوم الإرهابي، لكن هذا لم يحدث، الأمر الذي أصاب الغرور الأميركي في مقتل. وفي أوائل حزيران (يونيو) المنصرم أشارت نتائج استطلاع رأي أجراه مركز غالوب إلى أن 52 في المئة لا يرون في أوباما زعيماً قوياً ونزيهاً وأن نشاطه لا يترك لديهم انطباعاً جيداً أو يولد المزيد من الثقة. هل باراك أوباما رئيس فاشل؟ الشاهد أن الفشل يلاحق أي رئيس أميركي نتيجة أحد سببين، الأول قد يكون ظروفاً خارجة عن إرادة الرئيس، والثاني أن تكون سياسات الرئيس نفسه تسببت في خلق أزمات للبلاد... ماذا عن أوباما؟ يرى ثعلب السياسة الأميركية، هنري كيسنجر أن مشكلة إدارة أوباما على مستوى السياسات الخارجية أنها ماهرة في التعامل مع الجوانب الفنية، لكنها عاجزة عن وضع استراتيجية مستقبلية ذات أهداف محددة. ويضيف كيسنجر: «لا أظن أنه يوجد من يضع ثقته في شكل كبير في سياسات أوباما الخارجية أو يدرك أهدافها بوضوح». هل تسبب عهد أوباما في اضطراب العالم؟ ربما أبعد من ذلك، فهناك أميركيون يرون أن أوباما أظهر عدم كفاءة في مهمات عدة؛ خارجية وداخلية. فهو كان سبباً رئيساً في حرمان العراق وسورية ومصر الديموقراطية، كما تحولت إعادة بناء العلاقات مع روسيا خلال فترة حكمه إلى حرب باردة جديدة، تمكن خلالها الزعيم الروسي الطموح فلاديمير بوتين من استخدام ضعف الرئيس الأميركي العاجز عن إدراك مصالحه. كما أن أوباما فشل في التعاطي مع الأزمة الإنسانية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، الناجمة عن تدفق المهاجرين الحاد من أميركا الوسطى، ولهذا بات في عيون كثير من الأميركيين الرئيس الساعي عمداً إلى تحويل بلاده من مقام الدولة الإمبراطورية المنفردة بمقدرات العالم إلى واحدة من دول العالم الثالث. يحتاج تقويم الفترة الرئاسية الأولى ونصف الثانية لأوباما قراءة مستقلة، ويلاحظ عموماً أن الرجل تمثلت فيه الازدواجية الأميركية في شكل غير مسبوق. ففي حين ظلل الأمل أجواء أميركا إبان حملته الانتخابية الأولى، واعداً بتغيير السياسات الصدامية لسلفه بوش الثاني، إلا أن واقع الحال بات يشير إلى أن المسرحين، الأميركي الداخلي، والعالمي الخارجي، باتا أرضاً واسعة لإخفاقاته، وأزماته، وانهزاماته، بل ربما عاد بشعبية أميركا كدولة إمبريالية إلى زمن جونسون وبوش الثاني على نحو خاص. هل في الأمر مناورة سياسية من الجمهوريين قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل؟ قد يكون الأمر كذلك، غير أن شبه اليقين، هو القول بعدم عزل أوباما وأنه سيكمل ولايته الثانية، إن لم يكن لدى الجمهوريين دليل يتصل بخيانة عظمى أو أحد مبررات العزل؛ برلمانياً أو قضائياً. غير أن هناك اجماعاً على أن لا مكان لصفحات جديدة في سجل القياصرة الأميركيين لباراك أوباما، الذي بدأ العالم والأميركيون لعنه من دون انتظار مرحلة لاحقة من مراحل نايغل هاملتون. * كاتب مصري