الكويت - ا ف ب - يميل البعض الى إطلاق تسمية «حلبات الموت» على المضامير التي تستضيف سباقات سيارات فورمولا واحد، مستندين في ذلك الى السرعة الهائلة التي تعتبر لغة هذا النوع من الرياضة الميكانيكية. السائق الارجنتيني الاسطوري الراحل خوان مانويل فانجيو، بطل العالم خمس مرات أعوام 1951 و1954 و1955 و1956 و1957، قال في هذا الصدد: «المشاركة في سباقات فورمولا واحد تساوي الحياة. لكن هؤلاء الذين ماتوا خلال تلك المشاركة كانوا يدركون ربما كيف يعيشون على نحو أفضل من غيرهم». قبل أيام، وتحديداً يوم السبت الماضي، تعرض البرازيلي فيليبي ماسا سائق فيراري لحادث مروع في الفترة الثانية من التجارب الرسمية لجائزة هنغاريا الكبرى، المرحلة العاشرة من بطولة العالم، على حلبة هنغارورينغ. وأصيب ماسا (28 عاماً) الذي غاب عن السباق نفسه يوم الاحد، في وجهه اثر تطاير قطعة من سيارة مواطنه روبنز باريكيلو سائق فريق براون جي بي-مرسيدس، ما أدى الى فقدانه الوعي والسيطرة على سيارته التي انحرفت عن المسار، وارتطمت بحائط الاطارات الموازي للمنعطف الرابع وهي تسير بسرعة 250 كلم (ساعة). ونقل ماسا الى المستشفى الميداني في الحلبة قبل ان يتم نقله بواسطة طوافة الى مستشفى «اي اي كي» في بودابست للخضوع لجراحة دقيقة للغاية قبل ان يخضع بعدها لتخطيط في رأسه لمعرفة ما اذا كان قد تعرض لضرر في الدماغ. وكشف روبرت فيريس، مدير قسم جراحة الاعصاب في المستشفى، ان ماسا اصيب في عينه اليسرى، وتابع حديثه متوجهاً الى الصحافيين: «لا يمكننا ان نقول لكم اذا كان سيعود الى السباقات او لا. من المبكر قول أي شيء». واظهرت الصور التي التقطت لماسا بعد الحادث مباشرة تعرض خوذته لتمزق في الجهة اليسرى وبدت عينه اليسرى مغطاة تماما بالدماء. وان دلت هذه الحادثة على شيء، فإنها تؤكد ان ماسا الذي انضم لفيراري عام 2006، تذوق بالفعل الطعم الحقيقي ل«حلبات الموت»، وكان السائق البرازيلي الذي يملك في سجله 11 انتصاراً وحلّ في المركز الثاني في ترتيب بطولة السائقين عام 2008 بفارق نقطة عن البريطاني لويس هاميلتون بطل العالم، قريباً جداً من دخول اللائحة السوداء ل «ضحايا الفئة الاولى». وعرفت بطولة العالم على مستوى قوانينها التنظيمية الكثير من التعديلات منذ ولادتها عام 1950 في محاولة للحد من سرعة السيارات، وتفعيل عوامل السلامة إلا ان ذلك لم يقف حائلاً امام وقوع ضحايا خلال السباقات حيث دفع 45 سائقاً حياتهم ثمناً لهذه الرياضة الميكانيكية، 32 منهم قضوا خلال أحد سباقات البطولة، وتسعة خلال التجارب، وأربعة خارج إطار البطولة. وقضى 16 سائقاً في حقبة خمسينات القرن الماضي و13 في ستيناته و10 في السبعينات و4 في الثمانينات و2 في التسعينات، أضف الى كل ذلك، هناك لائحة طويلة جداً من السائقين الذين تعرضوا لعاهات جسدية مستديمة نتيجة حوادث متفاوتة الخطورة. وكان الفرنسي ريمون سومر اول ضحايا «حلبات الموت» بعدما لقي مصرعه في 10 ايلول (سبتمبر) 1950 خلال سباق جائزة هوت غارون الكبرى في فرنسا عندما كان يقود إحدى سيارات فريق كوبر. اما آخر الضحايا وأشهرهم على الاطلاق فهو البرازيلي ايرتون سينا الذي افتقدته الحلبات منذ الاول من أيار (مايو) 1994 إثر الاصطدام المأسوي الذي ادى الى مصرعه نتيجة فقدانه السيطرة على سيارة فريق وليامس عند منعطف «تامبوريللو» خلال جائزة سان مارينو الكبرى. وتعتبر حلبة انديانابوليس الأميركية ثاني أقدم حلبة سباق على الإطلاق بعد حلبة «ميلووكي مايل» إذ أبصرت النور عام 1909، وهي أكبر وأعلى صرح رياضي في العالم، إذ تستوعب حوالى 270 الف متفرج. لكن هذه ليست القصة الكاملة، إذ إن حلبة انديانابوليس نفسها هي بمثابة «مقبرة لسائقي فورمولا واحد» بكل ما للكلمة من معنى، بدليل أنها شهدت مصرع تسعة منهم، ثمانية أميركيين هم شت ميلر (1953 خلال التمارين)، كارل سكاربورو (1953 خلال السباق)، ماني ايولو (1955 خلال التمارين)، بيل فوكوفيتش (1955 خلال السباق)، كيث اندروز (1957 خلال التمارين)، بات اوكونور (1958 خلال السباق)، جيري انسر وبوب كورتنر (1959 خلال تجارب ما قبل السباق)، وبريطاني هو مايك سبنس (1968 خلال التجارب الرسمية). كما قُتل سائقان آخران في أميركا بالتحديد، ولكن على حلبة «واتكنز غلن» هما الفرنسي فرانسوا سيفير (1973 خلال التصفيات التأهيلية) والنمسوي هلموت كوينيغ (1974 خلال السباق). وتتقاسم بريطانيا وأميركا صدارة ترتيب الدول الاكثر تضحية بالسائقين في عالم فورمولا واحد، فقد توفي 11 سائقاً من كل من البلدين في مقابل 6 من ايطاليا، 4 من فرنسا، 3 من النمسا، 2 من المانيا، وواحد من كل من البرازيل وكندا والسويد وسويسرا وهولندا والمكسيك والارجنتين وبلجيكا. وشهدت المنطقة العربية وفاة سائق واحد هو البريطاني ستيوارت لويس-ايفانز في 19 ايلول (سبتمبر) 1958 خلال سباق جائزة المغرب الكبرى. وبين السائقين ال45 الراحلين، 21 قضوا خلال السباق الرئيسي، 8 خلال التمارين، 8 في التجارب، 5 في التصفيات التأهيلية و3 في تجارب ما قبل السباق. أما أكثر الفرق تضحية بالسائقين على حلبات السباق فهي فيراري (7 ضحايا)، كورتيس كرافت (6)، كوبر ولوتوس (5 لكل منهما). ومن المفارقات المسجلة على صعيد ضحايا فورمولا واحد، وفاة السائقين البريطانيين كريس بريستو (فريق كوبر) والان ستايسي (لوتوس) خلال سباق جائزة بلجيكا الكبرى في 19 حزيران (يونيو) 1960 إلا أنهما لم يلقيا حتفهما في حادث واحد، بل في حادثين مستقلين عن بعضهما البعض.