هل سينجح الأخضر الإبراهيمي حيث فشل، أو تحديداً أُفشل سلفُه كوفي عنان، إذ لم يستطع أن يقلِّع بنقاطه الست، وبقي عالقاً عند النقطة الأولى الخاصة بوقف إطلاق النار. تبدو عناصر الخبرة في التعامل مع النزاعات المعقدة وذات الأوجه الداخلية والخارجية المتشابكة، وكذلك المعرفة الواسعة والدقيقة بمجريات السياسات الشرق أوسطية وشبكة العلاقات الواسعة التي يملكها الإبراهيمي، عناصرَ أساسيةً وضرورية بلا شك، ولكن غير كافية لإنجاح مهمته، من دون أن يعني ذلك انتقاصاً من مميزات سلفه. ويدرك الأخضر الإبراهيمي هذا الأمر أكثر من غيره، لذلك كان حذراً في تصريحاته حول احتمالات النجاح، وتحدث عن نجاح مرتبط بتحقيق بعض الشروط، التي أهمها توافق دولي فاعل، وتحديداً بين الكبار في مجلس الأمن حول الرؤية لتسوية الأزمة السورية، وهو موقف يتخطى العموميات وأدبيات العناصر المبدئية الحاملة تفسيرات مختلفة، كما الحال مع بيان مجموعة العمل الدولية في جنيف، موقفٌ يقوم على بلورة إطار الحل وآليته، ويلتزم بهما ليشكلا المرجعية المفاهيمية ويسمحا للممثل الخاص المشترك للأمينين العامين للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ببلورة خطة العمل للتسوية في ذلك الإطار. هذا التوافق الدولي يكون بمثابة رسالة واضحة وحازمة للمعنيين بالأزمة السورية كافة، بأنه من غير المسموح تغيير قواعد اللعبة المحددة أو البقاء خارج الملعب المحدد من طرف مجلس الأمن، فالأخضر الإبراهيمي ليس ممثلاً خاصا لدى مجلس الأمن وليس من مهامه تسوية الخلاف بين أقطاب المجلس ومعهم حلفاؤهم، بل هو يمثل هؤلاء الأقطاب مع غيرهم لتسوية الأزمة السورية. القوة والمصداقية التي يفترض أن يستند إليهما الإبراهيمي ليبدأ مهمته الديبلوماسية غير السهلة بالطبع، يتأتيان فقط من وجود توافق فاعل وواضح ومستمر ورادع. وتبقى هذه شروطاً ضرورية لإنجاح مهام ديبلوماسية من هذا النوع في النزاعات المتعددة الأوجه، التي يختلط فيها الداخلي السياسي والمجتمعي بالخارجي الإستراتيجي. المفارقة المثيرة للاهتمام في هذا الصدد، تتمثل في أن مهمة الإبراهيمي تبدأ في حين أن الصراع حول سورية يزداد حدة واستقطاباً بين القوى الغربية والعربية من جهة، والثنائي الروسي الصيني ومعه إيران من جهة أخرى. والسؤال المطروح يتعلق بكيفية إعادة فتح باب مجلس الأمن المقفل بالفيتو المزدوج الروسي-الصيني، من خلال التوصل إلى صيغة تفاهم تشكل الأرضية الصلبة المطلوبة لمهمة الإبراهيمي. وأعتقد أنه من الضروري تركيز المشاورات والبحث في المجلس لتحديد أطر المرحلة الانتقالية وعناصرها أو مسار العملية التحولية التفاوضية في سورية، مع تعريف محدد ودقيق لدور «الطرف الثالث»، أي الممثل الخاص المشترك. هذا الأمر يسمح للأخضر الإبراهيمي بالإشراف والمواكبة لهذه المرحلة الانتقالية التفاوضية، والعمل على الانخراط في وضع روزنامة التفاوض وهندسة عناصرها والربط بين هذه العناصر كافة، والتأكيد على عدم محاولات تعطيل هذا المسار تحت مسميات مختلفة، والقيام بدور المسهل، وكذلك توفير الضمانة لتنفيذ ما يتفق عليه لإحداث تقدم على الأرض، وتقديم الدعم لترجمة كل إنجاز يتم تحقيقه إلى واقع. قد يقول البعض في خضم العسكرة المتزايدة للنزاع، إن ما ذُكر أمر مثالي جداً للتحقيق فات زمانه، ولكنه بأي حال يبقى أمراً أكثر واقعية من الحديث عن احتمال نجاح مهمة الممثل الخاص المشترك في تسوية الأزمة السورية في ظل غياب رسالة موحدة للأطراف المعنية كافة حول رؤية التسوية من قبل مجلس الأمن بالأخص، وأكثر واقعية أيضاً من أن يعمل الممثل الخاص بشكل مواز وشبه منقطع في الواقع، إن لم يكن بشكل بديل من مجلس الأمن، وهو يبقى أمراً أكثر أخلاقية ومسؤولية دولية من البقاء في موقع المتفرج وإطلاق التصريحات بانتظار الانهيار الكلي لسورية دولة ومجتمعاً، مع ما يحمله ذلك من مآسٍ إنسانية وما يشكله من مخاطر استراتيجية على سورية وجوارها. * كاتب لبناني