على الطريق الى بلدة عفرين الكردية في شمال سورية، يسمح مسلحون يرفعون علماً كردياً بمرور قافلة من الآليات التي تقل مواطنين سوريين من نساء واطفال، هاربين من اعمال العنف. ويشير المسلحون على حاجز تفتيش الى الشاحنات بالمرور الى عفرين التي يخيم عليها هدوء نادر بفضل التوازن الحساس الذي توصل اليه الاكراد وجعل سكان المنطقة يتذوقون طعم الحكم الذاتي. ويعتبر الحاجز مؤشراً جدياً على التغير الجذري في حياة الاكراد في شمال سورية منذ الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام الرئيس بشار الاسد. ويتحدث المسلحون القائمون على الحاجز اللغة الكردية علناً، ويرتدي بعضهم قمصانا صفراء رسم عليها وجه عبدالله اوجلان قائد حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا. لكن صوره تنتشر على الجدران والمتاجر في عفرين. وهذا التغيير هو نتيجة تفاهم توصل اليه الاكراد مع الحكومة السورية والمعارضين المسلحين. وانسحبت القوات الحكومية من المنطقة، لكن منشاة أمنية رمزية عليها صورة لم تمس للرئيس السوري، لا تزال قائمة في عفرين. يقول فتحي البالغ (50 عاماً) ويساعد المسلحين عند الحاجز: «انهم لا يخرجون من المبنى... واذا احتاجوا الى خبز او ماء فانهم يتصلون بنا ونحن نمدهم به». كما يحظر على المتمردين المسلحين دخول المنطقة الا غير مسلحين وبملابس مدنية. ويضيف: «انهم يأتون الى عفرين لأن متاجرنا واسواقنا مفتوحة، ويشترون منها الطعام وغير ذلك من الامدادات. لكن لا يسمح لأي منهم الدخول بسلاحه». والاسلحة الوحيدة التي يسمح بدخولها الى هذه المنطقة، التي يطلق عليها الاكراد الان «كردستان الغربية»، هي تلك التي تدخل تحت اشراف «حزب الوحدة الديموقراطي الكردي». وتتهم تركيا هذا الحزب بانه واجهة لحزب العمال الكردستاني الذي تحظره والذي قالت الولاياتالمتحدة انه يجب ان لا يسمح له باقامة ملجأ آمن في المنطقة. لكن وعلى رغم اعتراف فتحي بان بعض الاسلحة المستخدمة في حماية المنطقة تاتي من حزب العمال الكردستاني، الا ان سكاناً آخرين يؤكدون انه لا وجود للحزب في المنطقة. ويقول خالد (27 عاما) الكردي الذي انشق عن الجيش السوري في وقت سابق من السنة: «بصفتنا اكراداً فاننا بالطبع نود دعوتهم (حزب العمال الكردستاني) الى هنا، لكننا نعرف ان العرب والمجتمع الدولي يعتقد ان عناصر هذا الحزب ارهابيون، لذلك فنحن لا نسمح لهم بالقدوم الى هنا، وهم يحترمون ذلك». وداخل عفرين سمح غياب النظام للاكراد بتجربة الحكم الذاتي للمرة الاولى. وفي مركز ثقافي اقيم حديثا، يقوم شخص يقول ان اسمه جانغفار بتعليم نساء كرديات القراءة والكتابة بالكردية، اللغة التي كان محظورا عليهم تعلمها. وواحدة تلو الاخرى، تقف تلك النساء لترديد احرف العلة الثمانية في اللغة الكردية. يقول جانغفار: «كان محظوراً على الشعب الكردي القراءة والكتابة باللغة الكردية ولذلك تعلمناها سراً... وعندما كان يتم العثور على كتاب بالكردية مع شخص ما كان يتم اعتقاله وتعذيبه». ويقدم المركز كذلك دروساً في التاريخ والشعر والموسيقى الكردية. وكل ذلك مجاناً. وفي مكتب المدير علقت صورة للشاعر الكردي احميد خاني قبالة صورة اوجلان. يقول خالد «انه واحد من اهم شعرائنا .. وقصائده رائعة حقاً». وبالنسبة لعريف شيخو عضو الائتلاف الفضفاض للاحزاب الكردية والمجالس المدنية التي تشرف الان على المنطقة، فان هذا الحكم الذاتي الجديد هو نتيجة عقود من النضال المنفصل عن الاحتجاجات الدائرة حاليا في سورية. يقول: «الثورة السورية تكمل نضالنا من اجل حصولنا على حقوقنا المشروعة، لكن حتى لو توقفت الانتفاضة، ولا اعتقد انها ستتوقف، فان ثورتنا ستستمر». ومنذ انسحاب النظام، شكلت مجالس بلدات وقرى المنطقة والبالغ عددها 365 مجالسها البلدية الخاصة، كما تم تشكيل لجنة اقليمية تضم 400 عضو للبحث في المسائل التي تؤثر في المنطقة ككل. يوضح شيخو بفخر ان «40 في المئة من اعضاء اللجنة من النساء». ويضيف: «النساء في مجتمعنا يتمتعن بحرية تامة، ويستطعن ان يفعلن كل ما يفعله الرجال ويستطعن ارتداء ما يرغبن ويفعلن ما يردن وأن يكن مثلما يرغبن». وعلى رغم افتخاره بنظام الحكم الذاتي الذي تمت اقامته في المنطقة واعجابه الذي لا يخفيه باوجلان، فان شيخو يحرص على ان يوضح ان اكراد سورية لا يسعون الى الحصول على الاستقلال او تشكيل دولة منفصلة. ويقول: «نحن اولا واخيراً سوريون .. نريد نظاماً للادارة الذاتية والديموقراطية لسورية جميعها». ويضيف: «نحن ننظر الى النموذج الكردي العراقي على انه قديم. جميع الدول هي شكل من اشكال القمع». وامضى شيخو عقوداً بانتظار تحقق الحكم الذاتي الكردي، الا انه يقول انه كان يؤمن دائماً بان ذلك سيتحقق يوما ما. ويؤكد: «لم يكن ذلك مفاجئاً. فقد تطلب ذلك دماً وقتالاً وتنظيماً على مدى سنوات عدة. ولكن الان بعد ان حصلنا عليه، فسنحميه جيداً».