بانتهاء قمة التضامن الإسلامي في مكةالمكرمة، يبدأ العالم الإسلامي مرحلة جديدة من الاستحقاقات المهمة، التي بعثت فيها القمة الاستثنائية روحاً وحياة جديدة، لكونها خرجت بقرارت واتفاقات مجتمعة، تلزم دولها بشراكة وتضامن جديدين. ولأن طوارئ العالم الإسلامي لا تنتهي، فإن توقيت القمة جاء ليسد فراغاً من لقاءات الزعماء الكبيرة على مدى نحو عام ونصف العام، إذ لم تلتئم القمة الإسلامية في شرم الشيخ بالربع الأول من العام الماضي، لدواعي انشغالات المصريين بالثورة، ولم تكن قمة بغداد أواخر آذار (مارس) الماضي لأن تكون منبراً لحل كثير من ملفات المنطقة الملحة، لكن قمة مكة الأخيرة استطاعت أن تنأى بنفسها عن مبررات الفشل في خلق جو من الوفاق الودي بين الزعماء المسلمين، أضفى نوعاً من التفاؤل بخروج قرارات مهمة خصوصاً في الجانب السوري، فعلى رغمٍ من الرفض الإيراني لمسألة تعليق عضوية سورية في منظمة التعاون الإسلامي، إلا أن القرار «المعنوي» خرج بانسيابية عالية وبلا ضجيج وجلبة في البيان الختامي. لكن الجديد الذي ستضيفه القمة في ملف ملح كالملف السوري، هو أنها خلقت مظلة إجماع دولي كبير نحو وقفة جادة مع الشعب السوري ضد نظامه الوحشي وشرعنة حقه في المقاومة، وأعلنت فيه دول ثاني أكبر منظمة دولية في العالم بعد الأممالمتحدة، وقوفها بجانبه في محنته التي دامت 17 شهراً، وهو ما يتيح فرصة أكبر أمام الدول في دعم المقاومة بالوسائل كافة في سبيل وضع الثورة في مكانها الصحيح الذي تنتصر فيه إرادة الشعب في النهاية، وهذه المرة فإن الملف السوري إسلامياً يستند إلى دعم قوي خليجياً وعربياً، عدا أنه جاء كإحدى أوراق الضغط الدولية المتزايدة أخيراً حول الأزمة. وبعيداً عن الاستقطابات السياسية التي تملأ جو المنطقة خصوصاً بعد «الربيع العربي»، وتنوع الخلفيات السياسية والعقائدية التي باتت تمايز بين جماعات الحكم، فإن مكة استطاعت لملمة هذا الشتات بنداء استثنائي، يجمع ولا يفرق وسط أطهر بقعة وفي أفضل زمن بحل فكري، يُعطي في عتمة التخندق والتحزب الطائفي نوراً في نهاية الطريق من خلال مركز الحوار بين المذاهب والفرق الإسلامية، الذي اقترحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض، وهو ترجمان للوثيقة التي خرجت بها قمة مكة الطارئة عام 2005، التي تتضمن الاعتراف بثمانية مذاهب إسلامية. وعلى الصعيد الدولي، فإن قمة عرفت بحجم المآساة التي يتعرض لها شعب الروهينغا المسلم في ماينمار، واستطاعت أن تخرج بقرار إدانة ضد المجازر المسكوت عنها تجاه المسلمين، كما أن التحرك العاجل الذي بدأته المنظمة الإسلامية قبل أسابيع وبضغوط دولية، أسهم في بعض التجاوب الذي أبدته حكومة ماينمار المتمثل في السماح ببعثة، تقصي الحقائق الإسلامية بالدخول إلى إقليم أراكان وتقويم حجم الضرر والبدء بتنفيذ برامج إغاثية عاجلة. يؤمن الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأن بوصلة الحل الإسلامي تُشير إلى مكةالمكرمة دائماً، فهي في عام 2005 كانت البعثة الجديدة في جسد المنظمة، وخلقت لها هيكلة جديدة مكّنتها من المضي بدليل جديد للعمل الإسلامي، تمثل في وثيقة مكة والخطة العشرية آنذاك، وهي العمل الأول الذي بدأه خادم الحرمين الشريفين بعد تسلمه مقاليد الحكم في السعودية، وبعد ست سنوات لم يجد خادم الحرمين الشريفين الذي نال زعامة إسلامية مستحقة، خيراً من التئام الجمع في مكة من جديد حول طاولة لقاء وحوار مطلة على الكعبة المشرفة، تعالج آلام الجسد الإسلامي وتخيط جراحه.