يستهل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اليوم (الثلثاء)، في قصر الصفا بمكةالمكرمة، قمة التضامن الإسلامي الاستثنائية، وسط ظروف بالغة التعقيد، ونزاعات دامية تهدد الأمة الإسلامية. وتوقع مراقبون أن يشير خادم الحرمين الشريفين، في كلمته أمام رؤساء وموفدي 57 دولة عضواً في منظمة التعاون الإسلامي، إلى أوضاع اليمن والسودان ومالي ودول الساحل الأفريقي. وفيما أحال وزراء خارجية بلدان التعاون الإسلامي توصية إلى القمة لتجميد عضوية سورية في المنظمة، علمت «الحياة» من مصادر رفيعة أن ممثلي 56 دولة إسلامية وافقوا على تضمين البيان الختامي لقمة مكةالمكرمة نصاً يطالب بتنحية الرئيس السوري بشار الأسد، واعترضت إيران وحدها على ذلك. وستدرس القمة، بحسب معلومات حصلت عليها «الحياة»، توصية بتكوين قوات إسلامية مشتركة، ومطالب ب»خروج آمن» للنظام السوري. وطغى على الاخبار الامنية في سورية امس سقوط طائرة مقاتلة تابعة للجيش السوري في سماء محافظة دير الزور. وبينما اعلن مصدر عسكري رسمي ان الطائرة اصيبت بعطل فني طارىء ادى الى «تعطل اجهزة القيادة وعدم امكانية متابعة الطيران ما دفع الطيار الى مغادرة الطائرة بالمقعد المقذوف»، تبنى «الجيش السوري الحر في الداخل» اسقاط الطائرة، وهي من طراز «ميغ 23»، بواسطة رشاش مضاد للطيران من طراز 14,5. وهذه هي المرة الاولى التي يعلن فيها مقاتلو المعارضة السورية عن تمكنهم من اسقاط طائرة مقاتلة تابعة للنظام. ويشير اسقاط الطائرة المقاتلة الى احتمال وصول اسلحة متطورة الى يدي المعارضة يمكن ان تساعدها في مواجهة التفوق الجوي اذي تتمتع به قوات النظام. وفي وقت لاحق ظهر قائد الطائرة العقيد الركن مفيد محمد سليمان في شريط فيديو على موقع «يوتيوب»، وحوله ثلاثة مسلحين، وهو يعترف بانه «كلف بمهمة قصف مدينة بو محسن» ثم يدعو ضباط الجيش السوري الى «الانشقاق عن هذه العصابة». واستمرت المواجهات امس في حلب حيث اقتحمت قوات النظام حي سيف الدولة. كما استمر القصف على بعض المناطق في حي صلاح الدين رغم ان النظام كان اعلن السيطرة عليه منذ نهار الخميس الماضي، ولا يزال يواجه فيه «جيوباً مقاومة». وامتدت المواجهات الى حمص وصولاً الى دمشق. وبلغ عدد القتلى في المواجهات حتى مساء امس 90 على الاقل اكثرهم في ريف دمشق. وشنت قوات المعارضة فجر امس هجوما على فرع المخابرات الجوية ومركز الكتيبة المدفعية في حي جمعية الزهراء، غرب حلب ولم تعرف نتائج الهجوم. من جهة اخرى أعلنت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات الإغاثة الطارئة فاليري آموس أنها ستبدأ زيارة لسورية ولبنان اليوم تستمر ثلاثة أيام. وقالت في بيان إن الزيارة تهدف الى «التركيز على الوضع الإنساني المتدهور في سورية وتأثير النزاع على المدنيين سواء الباقين في سورية أو اللاجئين الى دول الجوار». وقالت إن الوضع الإنساني «ازداد سوءاً في الأسابيع الأخيرة فيما اتسعت رقعة القتال في دمشق وحلب ومدن أخرى» وأن «مليونين من السكان يعانون الآن من الأزمة وأكثر من مليون شخص نزحوا داخل سورية وأكثر من 140 ألفاً لجأوا الى لبنان والأردن وتركيا والعراق». وفي جدة، كشف الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي ل«الحياة» أن اجتماع قادة الدول الإسلامية اليوم، سيشهد توصية من اللجنة التنفيذية تدعو إلى تعليق عضوية سورية في المنظمة، وإدانة العنف الذي ترتكبه قوات النظام بحق المدنيين السوريين. وأضاف أن المؤتمر سيحيل الملف السوري مرة أخرى على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. غير أن مصادر مطلعة ذكرت ل«الحياة» أن بعض الدول المشاركة في مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي رفضت التوصية الداعية إلى إحالة ملف سورية على مجلس الأمن مرة أخرى، باعتبار أن ذلك سيسمح باستخدام الفصل السابع في القضية السورية. وذكرت مصادر أخرى ل«الحياة» أن باكستان وكازاخستان اقترحتا أن يتم تحميل مسؤولية العنف في سورية إلى الجيشين «الحر» والنظامي بالتساوي، مؤكدة أن إيران تحفظت بشكل كامل عن التوصيات كافة في الملف السوري. وأكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، في كلمة ألقاها نيابة عنه نائبه الأمير عبدالعزيز بن عبدالله، أن الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية استشرت فيه الفتن، وبات التشتت والانشقاق والانقسام والتنافر يهدد كيانها «ووصل للأسف الشديد إلى حد العداء والتناحر في ما بين المسلمين أنفسهم، بل أصبح العداء أشد ضراوة من العداء للآخرين». وعبر عن بالغ ارتياحه الى الاستجابة السريعة التي حظيت بها هذه الدعوة التي تعد في حد ذاتها مؤشراً إيجابياً يعكس «الرغبة الصادقة لدى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي للتصدي للتحديات التي تواجهنا، ولتعزيز أواصر التضامن الإسلامي بين دولنا، خدمة لديننا الإسلامي الحنيف ولأمن وسلامة أوطاننا وشعوبنا». وقال إن خادم الحرمين الشريفين سيبحث في هذه القضايا مع قادة الأمة الإسلامية بكل شفافية، بما في ذلك اقتراح الحلول التي من شأنها معالجة تلك المشكلات. وقال الأمين العام لمنظمة التعاون إنه يجب على الجميع في سورية أن يعرف أن سياسة الأرض المحروقة لم تكن يوماً ضمانة استقرار، أو صمام أمان، بل هي صدع في جسد الوطن، وجرح غائر يطول أمد شفائه. وأضاف أمام مؤتمر وزراء الخارجية أن على الجميع أن يدرك أيضاً أن العالم بات يخلع اليوم عن نفسه صفة الفردية والتسلّط والاستبداد، ويدخل في مرحلة الحكم الرشيد وتداول السلطة ومشاركتها. وزاد أن ما يدعو للأسف أن سورية باتت تعيش مآسي حرب طاحنة حذّرت منها المنظمة مراراً وتكراراً، معرباً عن أسفه لدخول سورية في نفق مظلم لا تُعرف نهايته، مشدداً على أن هذا ما يمكن اعتباره نتيجة متوقعة للتجاهل الذي قوبلت به مطالب الشعب، وتطلعاته المشروعة. وقال إن العالم الإسلامي يشهد هذه الأيام تحولات مفصلية وحاسمة في تاريخه، تتطلب معالجتها قدراً عالياً من الحكمة والروية للتعامل مع الأوضاع السائدة، ووقف النزاعات والمجابهات التي تزيد الفرقة وتشتت الجهود. وشدد على أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين لعقد القمة الاستثنائية تعد بشير خير وتفاؤل لوقف تيار الخلافات والشقاق، والالتفاف حول ما يجمع العالم الإسلامي، والابتعاد عن بواعث إذكاء الأحقاد والنزاعات من قضايا طائفية أو عرقية.